السؤال: رغب أخي فى الزواج من فتاة أبي غير مقتنع بها ، ولكنه لرغبة أخي وافق عليها وخطبها له ، وبعد الخطوبة ظهرت أشياء لا ترضي أبي من أهلها ، وخاصة محاولتهم إحداث شقاق بين أخي وأبي حيث إن أخي سيسكن في شقة أصغر مساحة من شقتي مؤقتا ، حتى ننتهى من إكمال بناء باقي منزلنا ، فقال أبو خطيبة أخي ( سنرى كيف يأخذ ... حقه فى البيت ) !! فقرر أبي فسخ الخطوبة ، واعترض أخي وهاجر البيت من ذلك الحين ، ويقول أبي ظالم ، وأنا غير عاق لأبي ، فما هو رأيكم فى ذلك ؟ وجزاكم الله خيرا .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
ينبغي أن نعرف أن التماس رضا الوالدين واستشارتهما والأخذ برأيهما وخبرتهما في الحياة في ما يهمنا من أمر دنيانا أمر مطلوب ، فلا أحد هو أحنى ولا أرحم ولا أجدر بالنصح الراشد والرأي السديد من الوالدين ، لما طبعا عليه من حب الولد ورغبتهما في إسعاده وشدة حرصهما على نجاحه في مشوار حياته ، وخاصة في أمر النكاح واختيار الزوجة والأصهار، غير أننا هنا نقول : إنه لم يكن ينبغي للأب أن يستبد بأمر فسخ الخطبة دون ابنه ، بل كان عليه أن يتفاهم مع ابنه حول ذلك الأمر الذي هو من خصوصياته هو بالمقام الأول ، وكان عليه أن يقنعه بوجهة نظره ، ويتأنى حتى يرى استجابة ابنه ، أو على الأقل حتى يطيب قلبه.
ثانيا :
ليس للأب أن يمنع ابنه من الزواج بامرأة مرضية خلقا ودينا ، إذا هويها ابنه وتعلق بها .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" لا يجوز للأب أن يكره ابنه أن يتزوج بامرأة لا يريدها أو أن يمنعه من التزوج بامرأة يريدها إذا كانت ذات خلق ودين ، ولا يلزم الابن أن يطيع والده في ذلك ، وله أن يتزوج من يريد أو من يرغب في زواجها ، ولا يعد ذلك عقوقاً لوالده " انتهى .
"فتاوى نور على الدرب" - لابن عثيمين (10/50)
وقال علماء اللجنة :
" طاعتهما في الزواج من امرأة معينة والابن لا يريدها لا تجب ؛ لأنه إن أطاعهما فيخشى من تعثر الزواج ، وعدم الألفة وحصول الطلاق ، لكن يجب على الابن في جميع الأحوال مراعاة خاطرهما بالأساليب الحسنة ، التي تطمئن قلبيهما ، ويجتنب مصادمتهما برأيه ، ويحذر الأساليب الجافية ، مع مضى الابن فيما يراه من مصلحة راجحة ؛ لأنه أدرى بأمره وخاصة نفسه " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19 /135)
ثالثا :
إذا كان مشروع الزواج من امرأة بعينها تحيط به المشكلات مبكرا ، وتظهر عليه علامات التعكير والقلق ، وعدم الرضا المتبادل بين الأسرتين ، فالذي ينبغي على الابن العاقل أن يتأنى ، ولا يقدم على هذا الزواج حتى يَرضى والداه ، ويتبين أن المصلحة في إتمام ما شرع فيه ؛ فإن أصرا على الرفض ، فالذي نراه تركه وعدم إتمامه ، طواعيةً لأبيه وأمه ، ورغبة في برهما وعدم عصيانهما ، خاصة إذا كانت هناك مبررات ملموسة ، تدعو إلى عدم الارتياح أو الاطمئنان .
وينبغي أن يفرق هنا بين أن تكون هذه المرأة زوجته فعلا ، وقد دخل بها ، أو له منها أولاد ، وأهله لا يقبلونها ، فهنا يقدم مصلحة صيانة هذا البيت ، والحرص على إقامة النكاح ، إلا لأمر شديد يدعو إلى التفريق بينهما .
ويختلف هذا أيضا عمن يريد أهله إجباره على الزواج بفتاة معينة لا يريدها هو ؛ فهنا لا طاعة لهما في ذلك ، ولا وجه لتعنتهما فيه ، لأن مفاسد ذلك لا تخفى على أحد .
وأما مجرد الإقدام على خطبة فتاة ، فليس بالأمر الخطير ، والنساء سواها كثير ، ومن الممكن أن تنفسخ هذه الخطبة لأسباب كثيرة ، فتقديم طاعة الوالدين في مثل هذه الحال مما يليق بالعاقل صاحب الدين أن يختاره ويتمسك به .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
أريد أن أتزوج ثيباً ، ووالدي موافق على ذلك ، والبنت وأهلها موافقون أيضاً على زواجي منها ، إلا أن والدتي غير موافقة ولا ترضى بذلك ؛ هل أتزوج هذه المرأة دون النظر إلى رضاء أمي أم لا ؟ وهل إذا تزوجتها أكون عاقا لوالدتي ؟
فأجاب : " حق الوالدة عظيم ، وبرها من أهم الواجبات ، فالذي أنصحك به أن لا تتزوج امرأة لا ترضاها والدتك ، لأن الوالدة من أنصح الناس لك ، ولعلها تعلم منها أخلاقاً تضرك .
والنساء سواها كثير وقد قال الله سبحانه ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) .
ولا شك أن بر الوالدة من التقوى ، إلا أن تكون الوالدة ليست من أهل الدين ، والمخطوبة من أهل الدين والتقوى ، فإن كان الواقع هو ما ذكرنا فلا تلزمك طاعة أمك في ذلك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الطاعة في المعروف ) " انتهى .
"فتاوى إسلامية" (4 /239)
وسئل الشيخ صالح الفوزان :
أنا شاب أريد أن أتزوج وقد خطبت فتاة من خارج أسرتنا ، فأخبرت والدي وأمي بذلك ، فرفضا هذا الزواج ، وأنا مصر على الزواج من هذه الفتاة ، ولكن والدتي قالت لي : إن تزوجت هذه الفتاة؛ لن أسامحك لا في الدنيا ولا في الآخرة ، ولا تواصلنا أبدًا ! وكذلك بقية إخوتي ووالدي كذلك رفضوا ، وأنا لا أدري لماذا رفضوا زواجي منها ؟ فلم يظهر لي منها ما يمنع ، وأنا على إصرار شديد . فهل عليَّ إثم إن تزوجتها ، أو يعتبر هذا عقوقًا وعصيانًا لوالدتي ؟
فأجاب : " مادام أنه قد أجمع والداك وإخوتك على منع التزوج من هذه الفتاة ، وهم من أنصح الناس لك ، وأرفق الناس بك ، فلولا أنهم يعلمون منها شيئًا لا يناسب لما منعوك من زواجها ، خصوصًا الوالدين وشفقة الوالدين وحرصهما على ولدهما ؛ فلا ينبغي لك أن تتزوج هذه المرأة ، وقد حذروك منها ونصحوك بالامتناع من الزواج بها ، والنساء كثيرات ، ومن ترك شيئًا لله عوَّضه الله خيرًا منه . فطاعة والديك وإخوتك خيرٌ لك " انتهى من "المنتقى من فتاوى الفوزان" (55 /6)
وإذا قدرنا أن الأب كان مخطئا في رفضه لهذا الزواج ، فإن هجران الولد لبيت أبيه ، وترك مكالمته هو عقوق ، لا شك فيه ، وقطيعة يأثم بها ، فلا أقطيعة أشنع ولا أفظع من قطيعة الوالدين ؛ هذا إذا افترضنا أن الأب مخطئ ، أما لو كان مصيبا فالأمر بين ، لا يحتاج إلى كلام .