دروس وعبر من سورة مريم
1-أسلوب التنبيه : من أساليب التنبه فى القرأن الكريم البدء بالحروف المقطعة( ك, ه, ى, ع.ص) فهى تشد القارئ والسامع قبل قراءة الجمل والمعانى.
2- التأمل والتدبر : إن كلمة " ذكر " في قوله تعالى " ذكر رحمة ربك عبدَه زكريا " توحي بأمور كثيرة يتفاعل بها المتلقي سامعاً وقارئاً . منها :
- إعمال الفكر ، وتقليب المعاني في ذكر الله تعالى عبده الصالح زكريا ، وسبب تخصيصه بهذا الفضل العظيم حين ذكره
- وأن التذكر ليس ضد النسيان دائماً، فالله سبحانه وتعالى منزه عن النقائص ، والنسيان نقيصة . " لا يضل ربي ولا ينسى " " وما كان ربك نسيّا " " أحصاه الله ونسوه " . إنما التذكر هنا رفع لمقام زكريا عليه السلام ، واستجابةٌ لدعوته ، وخصُّه بالرحمة
3-أدب الخطاب : ويتجلى ذلك في أمور عدّة :
أولها : التحبب : من أحب شيئاً أكثر من ذكره . وأنت حين تخاطب من تحب يتكرر اسمه على لسانك . فزكريا عليه السلام ذكر ربه خمس مرات في جمل قليلة : " رب إني وهن العظم مني " " ولم أكن بدعائك رب شقيا " " واجعله رب رضياً " " قال رب أنى يكون لي غلام .." " قال رب اجعل لي آية " . وعلى هذا قبل الله تعالى ربوبيته لعبده زكريا حين قال سبحانه : " إذ نادى ربه نداء خفيّاً " .
ثانيها : النداء الخافت : فالله تعالى يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء . وحين سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً ينادي الله بصوت عالٍ ،قال : له إنك لا تنادي أصمّ بل سميعا بصيراً . وحين سأله رجل : هل ربك قريب فنناجيه أم بعيد فنناديه ؟ نزل قوله تعالى : " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ، أجيب دعوة الداعي إذا دعانِ .." . " نداء خفياً " . لأنه معه ، " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد " .
ثالثها : التذلل إلى الله قبل الطلب : فقد عرض الحال بتسلسل منطقي ، وأدب جم ، فبدأ بذاته الداخلية " إني وهن العظم مني " ولم يقل وهن عظمي فكان صادقاً فليس كل عظمه واهناً وإلا لم يستطع الحركة ، وإنما أراد أن يقول : إنه ضعف وشاخ . وثنّى بجزء منه لكنه الإطار الخارجي منه " واشتعل الرأس شيباً . فلئن كان شعره منه إلا أن بعضه خارج جسمه ، أما العظم فمختلط بلحمه وشحمه . ثم التمس تقبل الدعاء وإجابة الرجاء مادحاً ربه : " ولم أكن بدعائك رب شقيّاً " فأنت يا رب سميع الدعاء ، ولن تردني خائباً .
4- الدعوة إلى الله في كل الظروف : فإذا مرض الإنسان أو امتنع أن يقوم بواجبه المعتاد بالطريقة التي اعتادها لأمر طارئ اتخذ ذلك ذريعة للتفلت أو الراحة – ومن حقه أن يرتاح فترة ليشحذ همته – لكن النفس الطموح للنبي الكريم زكريا أبت أن تبتعد عن طريقها المرسوم . فحين حملت زوجته بيحيى و ما عاد يتكلم ثلاثة أيام – كما أعلمه ربه بذلك – لم يتوانَ عن دعوته ، ولم يتخل عن مهمته ، إنما التزم المحراب يصلي ويجتهد في عبادة ربه شاكراً فضله ، معترفاً بنعمته عليه . وأوحى لأتباعه بالإشارة أن " سبحوا بكرة وعشيّاً .