عبادات القلوب: الرضا
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا , وأشهدا أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين .
يقول الشاعر:
" فليتك تحلو والحياة مريرة وليتك ترضي والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود، فالكُلُّ هين وكلُّ الذي فوق التراب تراب "
أعلى عبادات القلوب
أين يقع الرضا عن الله من منظومة العبادات ؟
العبادات نوعان: عبادات جوارح، وعبادات قلوب. عبادات تؤدى بالجوارح وعبادات تؤدى بالقلوب. وعبادة القلب أسرع إلى الله من عبادة الجارحة.
عبادة الجارحة مثل القيام والصيام والصلاة والحج. أما عبادات القلب فمنها التوبة والعفو والخشية من الله والتسليم والتفويض والتوكل وحب الله تعالى والرضا أعلى عبادات القلوب.
عبادات الجوارح. ثوابها ينتهي بانتهاء الجارحة من العبادة، أما عبادة القلب فليس لها منتهى. تكون نائماً ويسري عليك الأجر.
ما الرضا؟
الرضا هو أن تشعر بالارتياح لما يختاره الله تعالى لك. الذي ضاق رزقه، وأحس بقلة المال، هل يملأ قلبه بالمرارة أم يرضي عن الله سبحانه وتعالى؟
بين الطموح والرضا
ألا يتعارض ذلك مع فكرة الطموح؟
لا.. هذا لا يتعارض مع الطموح. أن ترغب وتسعى إلى تحسين أحوالك المعيشية والوظيفة، هذا معنى مطلوب إسلامياً. لكن من داخلك أنت تشعر بالضيق، وتحس بالمرارة. لماذا لا تجد إنساناً يشعر بالرضا عن عمله؟ 90% من الموظفين غير راضين عن وظائفهم. شئ جميل أن يطور الإنسان عمله. نصف المتزوجين غير راضين عن زوجاتهم. هذه الزوجة القسمة التي أختارها الله لك. فكيف لا ترضى بها؟.. كل هؤلاء لا يشعرون بالرضا.الذي ابتلاه الله تعالى بابن يعاني من مرض مزمن، والذي ابتلى من الله عز وجل بمرض شديد، أو بعاهة من العاهات. نصف الذين يركبون سيارات، غير راضين عن سياراتهم. الشاب المرفه يريد أن يغير التليفون المحمول، ويتشاجر مع أمه يومياً لكي تقنع أباه بشراء محمول جديد له. لا أحد يرضى عن أقربائه من البنات والشباب أو بعد المسافة بين بيته ومحل سكنه. لا أحد يرضى عن الشقة التي يسكنها. أنت راضٍ أم غير راضٍ؟!..
هذه عبادة شديدة الأهمية، عبادة الرضا. هل أنت راضٍ عن رزقك؟.. كل هذه الأشياء تتدرج تحت كلمة "الرزق". الزوجة رزق، والعيال رزق وأيضاً الملبس والسيارة والشقة.
والرزق نوعان: رزق بمال يدخل إليك وهذا هو الرزق المنظور، ورزق بضُرٍ يدفعه الله عز وجل عنك هذا رزق أيضاً وهو مستور. فالموظف الذي يأتيه راتبه في نهاية الشهر وهذا رزق ثابت قد يصاب بمرض ويذهب للطبيب ويمكن للطبيب أن يقول له أن الأمر بسيط ويصف له علاجاً بسيطاً أو دواء محدداً فهذا هو الرزق بضُرٍّ الذي يدفعه الله تعالى عنك لأنه لو كان مرضه عظيماً لطلب منه الطبيب التحاليل والأشعة وقد يحتاج إلى عملية فيحتاج إلى أن يصرف نصف راتبه أو أكثر بسبب مرضه. فعلى المؤمن الحق أن يرضى بكل ما يقسمه الله تعالى له ولا يشتكي من قلة رزق أو مرض أو فقد عزيز لأن الله تعالى بحكمته أعلم بما هو أفضل لخلقه وإن كان يبدو للناس أن هذا الذي أصابهم ليس خيراً لهم ولكن الله تعالى أرحم بالناس من أمهاتهم اللآتي ولدنهن فأكثروا من الحمد لله رب العالمين على كل ما أنعم به علينا من نِعم لا نحصيها ولا نعرف حقيقتها ولا قيمتها وقدرها وأكّدها سبحانه وتعالى في قوله (وقليل من عبادي الشكور) فلا تجعلنا اللهم من المنكرين لنعمك أو المتأففين وإقذف في قلوبنا رضى حتى نقنع بما منحتنا ولا نتطلع إلى ما أنعمت به على غيرنا وحبسته عنا لحكمة لا يعلمها سواك سبحانك.
ملِك الملوك إذا وهب لا تسألنّ عن السبب
فالله يعطي من يشاء فقِف عند حدّ الأدب
ويقول الشافعي:
قل لمن بات لي حاسداً أتدري عن من أسأت الأدب
أسأت إلى الله في حكمه إذ أنت لم ترض لي ما وهب
فكان جزاؤك أن زادني وسدّ عليك وجوه الطلب
لماذا نشعر بالهمّ؟
الرد على كل ذلك، جاء في الحديث القدسي: " عبدي.. خلقتك لعبادتي فلا تلعب. وقسمت لك رزقك فلا تتعب إن قلّ فلا تحزن. وإن كثر فلا تفرح. إن أنت رضيت بما قسمته لك، أرحت بدنك وعقلك، وكنت عندي محموداً. وإن لم ترض بما قسمته لك، أتعبت بدنك وعقلك وكنت عندي مذموماً. وعزتي وجلالي لأسلطنّ عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحوش في الفلاة، فلا يصيبك منها إلا ما كتبته لك".
ابن عطاء الله يقول :"إياك والهمّ بعد التدبير، فما قام به غيرك عنك ، لا تقم أنت به لنفسك". أنت أديت واجبك ، واتقنت عملك ، فلماذا تشعر بالهمّ؟
البنت التي لا تحمل قسمات جميلة .. هل هي راضية أم غير راضية؟! البنت التي تأخرت في زواجها. هل هي راضية أم غير راضية؟ الأم التي وصل سن ابننتها إلى 30 سنة ولم تتزوج.. هل هي راضية؟
الناس المتعبة المكتئبة... يقول ابن عطاء الله لهم:" أرح نفسك من الهمّ بعد التدبير ".. ثم يقول: " فما قام به غيرك عنك، لا تقم أنت به لنفسك". الله سبحانه هو الذي قام به عنك، فلماذا تشغل به نفسك؟ أليس هو الذي قال: " وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق، مثل ما أنكم تنطقون " الأعرابي عندما سمع هذه الآية الكريمة، سأل الصحابي: ما الذي يجعل الله يقسم؟ نحن نصدق أن الرزق في السماء، هل هناك عاقل لا يصدق؟!
أرح نفسك من الهمّ بعد تدبير، فما قام به غيرك عنك، لا تقم أنت به بنفسك، وتفرغ للعبادة. فبدلاً من أن تقضي الليل شارد الذهن بلا نوم، تفكر في الربح والخسارة. أرح نفسك من هذا الهمّ، وقم لتصلي.." خلقتك للعبادة فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا تتعب. إن قل فلا تحزن. وإن كثر فلا تفرح إن أنت رضيت بما قسمته لك: أرحت بدنك وعقلك، وكنت عندي محموداً. وإن لم ترض بما قسمته لك، أتعبت بدنك وعقلك وكنت عندي مذموماً."
لماذ تشعر بالهمّ وعدم الرضا؟ الأهل يختارون لأبنائهم ما يرونه مناسباً لهم ويغضبون إن إعترض الأبناء أو تأففوا أو سخطوا على قرارات أهلهم فكيف ولله المثل الأعلى نتأفف على قضاء الله وقدره؟ وكيف نعترض على رزقه لنا أو لغيرنا؟ وكيف نسخط على ما أنعم الله تعالى به علينا أو منعه عنا؟ عدم الرضا يدلّ على ضعف الإيمان وسوء الظن بالله عز وجل. عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: يا غلام إني أُعلّمك كلمات: إحفظ الله يحفظك، إخفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا إستعنت فإستعن بالله وإعلم أن الأمة لو إجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن إجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك. رُفعت الأقلام وجفّت الصحف. (رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح) وفي رواية أخرى: "إحفظ لله تجده أمامك، تعرّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة وإعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك وإعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسراً". فلا تأسى على ما فاتك ولا تتحسّر على ما عند غيرك وإقنع بما آتاك الله تعالى وانظر إلى من هو أسفل منك إذا شعرت بعدم الرضا حتى تطمئن وتقنع لما عندك. وإعلم أن خزائن الله تعالى مليئة بالرزق لجميع خلقه ورحمته وسعت كل شيء . جاء في الحديث القدسي: عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال "يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما. فلا تظالموا. يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته. فاستهدوني أهدكم. يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته. فاستطعموني أطعمكم. يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته. فاستكسوني أكسكم. يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا. فاستغفروني أغفر لكم. يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني. ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم. كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم. ما زاد ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم. وإنسكم وجنكم. كانوا على أفجر قلب رجل واحد. ما نقص ذلك من ملكي شيئا. يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم. وإنسكم وجنكم. قاموا في صعيد واحد فسألوني. فأعطيت كل إنسان مسألته. ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر. يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم. ثم أوفيكم إياها. فمن وجد خيرا فليحمد الله. ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
لماذا تشعر بالهمّ أو تتأفف إن أصابك إبتلاء أو كرب ألا تعلم أن الإنسان قد لا يدخل الجنة إلا بهذا الكرب؟ يسبق في علم الله تعالى أن هذا الإنسان في الجنة لكنه في الدنيا لم يعمل عملاً يؤهله لدخول الجنة فيبتليه الله عز وجل ليحقق دخوله الجنة برحمته سبحانه وتعالى. وكذلك المرض يمرضه الإنسان قبل وفاته يكون من فضل الله تعالى عليه ليمحو ذنوبه أو يرفع درجته. فعلينا أن نرضى بكل ما قسم الله تعالى لنا لأننا لا ندري الحكمة من وراء ما يصيبنا من نِعم أو إبتلاءات. والناس في تعاملهم مع نِعم الله أو إبتلاءاته ثلاثة أنواع:
العوام وهم الذين يصلّون ويصومون ولا يرتكبون الحرام ولا يغتابون وهؤلاء هم من يصحّ أن يقال عنهم مسلمون. هؤلاء تتفاوت درجة الرضى عندهم.
الخواصّ: وهو الذين أنعم الله تعالى عليهم بالعلم فعملوا به وهؤلاء لهم محبة في القلوب وتأثير في النفوس. هؤلاء إذا مُنِعوا شكروا وإذا إبتلوا صبروا.
خواص الخواص هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم (الذين سبقت لهم منا الحسنى) هؤلاء لا يرضون عن الله تعالى بديلاً ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بديلاً . هؤلاء إذا إبتلوا شكروا وإذا أُعطوا صبروا.
وهذا يذكرنا بدرجات ومراحل الخشوع في الصلاة:
الغافل: صلاته إسقاط فرض وحركات يؤديها بترتيبها فقط. هذا لا يدري ماذا قرأ في صلاته ولا يدري هل سجد سجدتين أو واحدة؟ هذه الصلاة التي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم لأنها كنقر الديك.
المجاهد: هو الذي يجاهد نفسه في الصلاة فيأتيه الشيطان يوسوس له فيتعوّذ ويكمل صلاته مجاهداً نفسه حتى يؤديها بحق.
الخاشع: هذا الذي يدخل في صلاته بقلبه وعقله وجوارجه فيسجد قلبه مع جبهته ويخرج من الدنيا التي حوله إلى معيّة الله تعالى وهذه صلاة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان منهم من تقف الطير على رأسه في صلاته لشدة خشوعه وطول وقوفه بين يدي ربّه.
قلب محمد صلى الله عليه وسلم وهي أعلى مراتب الخشوع فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول لبلال: أرحنا بها يا بلال وكان صلى الله عليه وسلم يقول: جُعِلت قُرّة عيني في الصلاة.
ففي أي مرحلة من هذه المراحل الأربعة نحن؟ وكيف هي حال صلاتنا؟ هل هي إسقاط فرض أو مجاهدة أو إقامة تامة للصلاة في خشوع؟ علينا أن نجاهد أنفسنا قدر المستطاع للخشوع في الصلاة حتى نعقلها لأن الرسول صلى اله عليه وسلم يقول: (( ليس للمرء من صلاته إلا ماعقل منها )) ويقول أيضا: (( إن الرجل ليصلي الصلاة فلا يكتب له إلا ثلثها أو ربعها أو نصفها أو سدسها أو ثمنها أو عشرها )).
ما لديك يكفيك
في النهاية لن تأخذ إلا ما قسمه الله لك، ولو كنت غير راض عما قسمه الله لك. اسمع التهديد الرباني الذي يوجع قلبك: " وعزتي وجلالي لأسلطنّ عليك الدنيا". وإذا سلط الله الدنيا على أحد، جعله في دوامة طوال الليل والنهار . وكلما ازداد ثراؤه . ازداد جشعه وسعيه إلى المال وقلقه على ضياع المال وقلقه على كيفية الحفاظ على ثروته من الضياع أو السرقة وقلقه من الناس لأنه يتصور أن كل من حوله يريدون أن يأخذوا ثروته.
يقول الله تعالى في الحديث القدسي : " يا ابن آدم عندك ما يكفيك . وأنت تطلب ما يطغيك . لا بقليل تقنع، ولا بكثير تشبع. إن أنت أصبحت معافى في جسدك، آمنا في سربك، عندك قوت يومك، فقل على الله العفاء".
يا أبن أدم ما أعطاه لك يكفيك. لماذا تنظر إلى ما في أيدي الآخرين؟
زوجتك جميلة.. لكنك تريد فتاة الإعلانات وتظل تلعن اللحظة التي تزوجت فيها زوجتك. أنت لا تعلم أن الجميلة فتاة الإعلانات، كانت جميلة فقط لحظة تصويرها للإعلان. عندك ما يكفيك. هذا رزقك. هل تصدق الله أم لا؟
ما الدليل على أن عندك ما يكفيك؟ أنظر إلى هذه الآية: " قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (10) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (12) فصلت". قبل أن يخلق البشرية كلها، يوم خلق السماوات والأرض، قدر الأقوات التي سيرزق بها كل مخلوق حتى يوم القيامة.
نقطة المطر تنزل من السماء، مكتوبة عند الله أنها ستمشي في الوادي الفلاني، ثم تصل إلى السهل الفلاني ثم تمشي في ماسورة المياه لتصب في زجاجة بعينها، ليشربها فلان الفلاني. تنزل نقطة المطر في إحدى البلاد، لتنبت منها حبة القمح، التي يتم تصديرها إلى آخر الأرض، ليأكلها شخص بعينه في رغيف الخبز. أفلا تتفكّر في رزق الله من أين يأتيك وكيف يصل إليك؟
وفي سورة البقرة نجد بديع ترتيب آيات القرآن العظيم فقبل أول ذكر في الكتاب لخلق آدم قال تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (29)) ثم قال (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)) هذا يعني أن الله تعالى خلق كل الكون وكل ما فيه إستعداداً لخلق آدم فكأنما هذا الكون كله مسخّر لآدم وذريته.
وفي الحديث القدسي ما معناه: يا ابن آدم خلقتك لأجلي وخلقت كل الكون لك فلا تنشغل بما هو لك عما أنت له. " عندك ما يكفيك، وأنت تطلب ما يطغيك". ألم تفكر أن السيارة التي تحلم باقتنائها ربما تكون سر فسادك، أو طريق هلاكك؟ ألم تفكر أن الموبايل الذي تحلم به، ربما يكون وسيلتك لارتكاب المعاصي؟. " لا بقليل تقنع، ولا بكثير تشبع ". يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" لو كان لابن آدم وادياً من ذهب، لتمنى أن يكون له واديان، ولا يملأ فم ابن آدم إلا التراب ".
حدود القناعة
وما هي إذن حدود القناعة عند بني آدم ؟
"حدثنا عمرو بن مالك ومحمود بن خداش البغدادي، قالا أخبرنا مروان بن معاوية، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شميلة الأنصاري عن سلمة بن عبيد الله بن محصن الخطمي عن أبيه وكانت له صحبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - "من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا". هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث مروان بن معاوية. قوله حيزت: يعني جمعت." (الترمذي). إن أنت أصبحت معافى في جسدك. آمنا في سربك، تغلق عليك بابك وأنت مطمئن. فمن نعم الله علينا أننا نعيش في أمان، ففي مدن الغرب لا تستطيع المرأة أن تغادر بيتها بعد السابعة مساء، وإن فعلت فهي تخطف وتغتصب وتقتل. " فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ".
هل فكرت يوما أن ترضى عن الله لأنه جعلك آمنا في بلدك؟.. عندك قوت يومك؟ في الثلاجة طعام يوم واحد فقط. لو عندك هذا، فإنه حد الكفاية الذي حدثك الله عنه. لماذا اكتفى بطعام يوم واحد، وليس طعام أسبوع؟.. لأنك لا تضمن الحياة للغد. فإذا جاء الغد وأنت حي، فإن الذي رزقك اليوم، سوف يرزقك غداً. أفلا تشعر بالرضا لهذا؟.. أحياناً يرسل الله سبحانه رزق العام كله في شهر، ويبعث رزق الشهر في يوم واحد، ويبعث رزق اليوم في دقيقة. كن راضياً إذن عن الله، وقل: على الدنيا العفاء. قل لها: يا دنيا أنا أعفو عنك ولا أريد منك شيئاً، مادمت معافى في جسدك، آمنا في سربك، تملك قوت يومك.
فلماذا لا نطمئن لما إختراه الله تعالى ونقلق على الماضي والحاضر والمستقبل؟ الماضي فُرِغ منه وإنتهى فلا حاجة لقول لو ويا ليت، أما المستقبل فهو بيد الله تعالى أما الحاضر فإعمل فيه بما يرضي الله ويوافق منهجه. وهذا معنى قوله تعالى (لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) الحديد).
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ذاق طعم الأيمان من رضى بالله ربا وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً ".
الرضا هو رضا القلب.
ويقول ابن القيم: " الرضا باب الله الأعظم، ومستراح العابدين، وجنة الدنيا. من لم يدخله في الدنيا، لم يتذوقه في الآخرة". والذي لم يتذوق حلاوة رضا الله في الدنيا، لن يتذوقها في الآخرة.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من قال حين يصبح ويمسي: رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً، وجب على الله أن يرضيه. من قالها ثلاث مرات، وفي المساء ثلاث مرات، رضى عنه الله في ذلك اليوم ". ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " من سمع الأذان فقال: رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً ورسولاً غفر له ذنبه".
هذا باب الله الأعظم، فلِمَ تتردد في الدخول منه؟. ردد هذا السؤال على نفسك كثيراً. حتى يشعر القلب بما تقوله.
النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: " اللهم رضني بقضائك، حتى لا أحب تعجيل ما أخرت، ولا تأخير ما عجلت". ويأتي رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: " يا رسول الله أي العمل أفضل؟.. قال: إيمان بالله وتصديق برسوله، وجهاد في سبيله". قال: يا رسول الله.. دلني على شئ أهون فقال: لا تتهم الله في شئ قضاه أبداً.
الرضا بعد القضاء
وهل يمكن اتهام الله جل وعلا؟ كأن تسأله: لماذا يا ربي قبضت روح فلان؟.. أو: لماذا يا ربي أمت ابني؟ لا تسخط أبداً، وأشعر بالرضا. تأسّى بالرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يدعو ربه قائلاً :" اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء".
ما علامات رضا الإنسان بقضاء ربه ؟
هناك ثلاث علامات :
1 -ترك الاختيار قبل القضاء ، بصلاة الاستخارة . :لا تفعل شيئاً إلا بعد صلاة الاستخارة بدءاً من شراء الملابس وحتى الزواج او الالتحاق بوظيفة أو السفر . أنت بهذا تفوض الأمر لله .
2- فقدان مرارة الألم بعد القضاء من خسارة مال أو فقد ولد أو أية مضيبة أخرى بالحمد والشكر .
3- دوام محبة الله في القلب عند وقوع الابتلاء والدوام على العبادة بعد المصيبة لأن معظم الناس إلا من رحم ربي يقصّر في عبادته أو يتوقف عنها إذا أصابته مصيبة فبدل أن يفِرّ إلى الله تعالى يفر من عبادته ومن معيّته.والله تعالى يأمرنا (ففِرّوا إلى الله). هناك نوع من الناس تقل عبادتهم بعد الابتلاء من الله وهذا من دلائل السخط على الله والعياذ بالله.
سمع الإمام الشافعي رجلاً يقول: يا رب هل أنت راضٍ عني؟ فقال له: هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك؟ قال الرجل: كيف أرضى عنهوأنا أتمنى رضاه؟ قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
أحزان النبي
نماذج من الذين رضوا عن الله سبحانه بعد الابتلاء:
النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو ربه : "اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ،وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي " .
إذا إستعرضنا حياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وجدنا الأحزان فيها الواحد تلو الآخر فقد توفي والده قبل أن يولد ثم توفيت والدته وهو في السلدسة من عمره ثم توفي جده وهو في الثامنة ثم توفي عمه الذي ربّاه وسانده وحماه وفي العام نفسه توفيت زوجته خديخة رضي الله عنها وطّلِّقت بناته ومات أبناؤه الذكور وطُرِد من أحب البلاد إلى قلبه من مكة، وتعرّ للضرب بأبي هو وأمي في الطائف فما كان منه إلا أن دعا ربه (إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي إلا أن عافيتك أوسع لي) ثم إتهموا زوجته الطاهرة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنها بالفاحشة في حادثة الإفك . والنبي صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه كان عمره 62 عاماً وكان ذلك آخر أمل للنبي أن يكون له ولد . والنبي كان يعلم أن الله تعالى لا يريد أن يكون له ولد . حين ولد إبراهيم ، حمله النبي وتوجه به إلى بيوت الصحابة ، يطرقها ويقول لهم : " انظروا ابني إبراهيم كان قلبه يقفز فرحاً . وحين مات براهيم بكى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يتعارض مع الرضا وقال :" إن العين تدمع وإن القلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا،وإنا لفرافك يا إبراهيم لمحزنون ". وهو هنا صلى الله عليه وسلم جمع بين مقام الرحمة ، ومقام الرضا . فالعين تدمع رحمة ، والقلب راض . كل هذه الأحزان ولم يشتكي أبداً ولم يتعب ولم يملّ وإنما كان أمر الله تعالى له (فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب). أفلا نخجل من أن نقارن أحزاننا بأحزان النبي صلى الله عليه وسلم؟ ونحن نشكو من القليل التافه!؟
هناك قصة أخرى للفضيل بن عياض وهو من أئمة التابعين ، وكان دائم السكون قليل الابتسام . بعد 30 عاماً من حالته هذه مات ابنه ، فلم يُر مبتسماً إلا يومها . فقالوا : عجباً . أتبتسم يوم وفاة ابنك، وما كنت تبتسم قبلها ؟ فقال لهم: أفرح برضا الله في كل الأحوال وأجبر هذا القلب أن يرضى على الله ، فابتسمت لأجعل قلبي يرضى على أفعال الله سبحانه وتعالى .
الرحمة والرضا
النبي صلى الله عليه وسلم عرف كيف يجمع بين مقام الرحمة ومقام الرضا ، فبكى بينما القلب راض . أما الفضيل فلم يستطيع الجمع بين المقامين : الرحمة والرضا ، فاضطر أن يبتسم لأنه عجز عن الجمع بين الرحمة والرضا لحظة الابتلاء .
والناس عند الابتلاء عادة : منهم من يرضى بينما الرحمة غير موجودة بالقلب . وآخر قلبه ملئ بالرحمة لكنه عاجز عن الوصول إلى الرضا . فأعلى الناس هو الرسول صلى الله عليه وسلم . الذي جمع بين الرحمة والرضا .
ويقول أنس ابن مالك : " خدمت النبي عشر سنين ، فما قال لي يوما هلا فعلت كذا ؟ ولم يقل يوما لم لم تفعل كذا ؟ وما قال لشيء حدث : ليته ما حدث ! ولا قال لشيء ما حدث : ليته حدث " .
وقد كان بعض أهل النبي ، وزوجات النبي يلومونني على شيء أفعله ، فكان يقول لهم : دعوه .. فلو قضاه الله لما كان .
أنظر إلى عمر ابن الخطاب وهو راض عن ربه يقول عمر ابن الخطاب :" ما أصابتني مصيبة إلا حمدت الله على أربعة أشياء :
1. أنها لم تكن في ديني .
2. أنها لم تكن أكبر منها .
3. أن الله يثيبني عليها الجنة .
4. أنني تذكرت مصيبتي في فقد النبي صلى الله عليه وسلم ".
ويقول : " والله لا أبالي على أي حال من الأحوال الدنيا أصبحت .. بخير أو بشر – رضاء أو ضيقا فرحا أو حزنا ً . ما دمت مسلماً " .
كان " عمران ابن حصين " صحابياً قوياً ، لم يترك غزوة إلا وشارك فيها . بعد وفاة النبي أصيب بشلل نصفي فرقد على ظهره 30 عاما حتى مات . كان لا يتحرك حتى أنهم ثقبوا له السرير ثقباً لقضاء حاجته . دخل عليه بعض الصحابة فرأوه . فبكوه . فنظر إليهم وقال : أنتم تبكون أما أنا فراض . أحب ما أحبه الله وأرضى بما ارتضاه الله وأسعد بما اختاره الله . ثم قال له : " والله أكون على حالي هذا فأحس بتسبيح الملائكة وأحس بزيارة الملائكة ، فأعلم أن هذا الذي بي ليس عقوبة من الله ، إنما يختبر رضائي عنه ، أشهدكم أني راض عن ربي ".
جائزة الرضا
سعد ابن أبي وقاص أحد المبشرين بالجنة كان مستجاب الدعوة ، والنبي صلي الله عليه وسلم قال : " سعد مستجاب الدعوة فكلما ذهب إلى مكان التف الناس حوله ليدعو لهم بما يتمنون ، فيستجاب له . آخر أيامه فقد سعد ابن أبي وقاص بصره ، وهو فاتح القادسية ،فجاءه شاب وقال له : أنت مستجاب الدعوة ادع الله أن يرد بصرك . فقال له سعد : " قضاء الله أحب إلي من بصري . أفيرضاه الله ، ولا أرضاه لنفسي والله لا أدعوه ".
يقول عبد الله ابن مسعود :" منذ 40 سنة ما أقامني الله في حال ، إلا وأنا راض عنها . ووالله ما بكيت على شيء حدث لي في الدنيا ، أبكى فقط على فوات الدين ".
يقول أحد العلماء :" ندعو الله فيما نحب ، فإذا وقع ما نكره ، تركنا اختيارنا ورضاءنا إلى رضاه عز وجل ، ولم نخالف الله فيما يحب
ما الجائزة التي نكافأ بها على الرضا ؟
من رضى فله الرضا . يرضى عنك الله ومن سخط فله السخط . وأعظم الرضا يوم القيامة ، ففي حديث أخرجه البخاري في كتاب الرقاق: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة ، يقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول:. هل رضيتم ؟ فيقولون : " وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تُعطِ أحداً من خلقك؟ فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك، قالوا: يا رب وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً".
من هذا الحديث القدسي تلميح لقوله تعالى (ورضوان من الله أكبر، التوبة 72) لأن رضاه سبب لكل فوز وسعادة وكل من علِم أن سيّده راض عنه كان أقرّ لعينه وأطيب لقلبه من كل نعيم لما في ذلك من التكريم والتعظيم.
" وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ، وأزواج مطهرة ورضوان من الله أكبر "
أثر الرضا على سلوكيات الإنسان: الرضا يؤذي إلى الطمأنينة والأُنس والسكينة. والإنسان إذا رضي بالربوبية ورضي برسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي بالإسلام ديناً يكون من أهل الرضا.
الرضا
* عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” إن أعظم الجزاء من عِظَم البلاء ، وأن اللّه تَعالى إذا أحَبّ قوما إبتلاهُم ، فَمَن رَضي فَلَهُ الرضا وَمَن سَخِطَ فَلَهُ السُخط ” (رواه الترمذي وقال حديث حسن)
* قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إرض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ، وإجتنب ما حرّم الله عليك تكن من أورع الناس ، وأدّ ما إفترض الله عليك تكن من أعبد الناس ، ولا تشكو من هو أرحم بك (الله عزوجل) إلى من لا يرحمك (الناس)ـ ، وإستعن بالله تكن من أهل خاصته.
* وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد فإن الخير كله في الرضا ، فإن إستطعت أن ترضى وإلاّ فاصبر. وقيل للامام الحسين رضي الله عنه إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إليّ من الغنى ، والسقم أحب إليّ من الصحة ، فقال: رحم الله تعالى أبا ذر ، أما أنا فأقول من إتّكل على حسن إختيار الله تعالى له لم يتمن غير ماإختاره الله عزوجل له. وقال أبو علي الدقاق: وليس الرضا أن لاتحس بالبلاء ، إنما الرضا أن لا تعترض على الحكم والقضاء. ويكون العبد راضيا حق الرضا إذا سرّته المصيبة كما سرّته النعمة.
* كان صلى الله عليه وآله وسلم يدعو: ” أللّهُمّ إنّي أسألُكَ الرضا بعد القضاء ” (41) ، وواضح أن الواجب على العبد أن يرضى بالقضاء الذي أمر الرضاء به ، إذ ليس كل ما هو بقضائه يجوز للعبد أو يجب عليه الرضا به ، كالمعاصي ومختلف أنواع محن المسلمين... ويعني ذلك أنه عند وقوع المعصية والمحنة يكون الواجب هو العمل على تغييرها لا الخنوع والرضا بها . ويمكن للعبد أن يستشعر رضاء الله عنه إذا كان هو راضيا عن ربه في حالات الضراء والسراء على السواء ، قال تعالى ” رضِيَ اللّهُ عَنهُم ورَضوا عَنهُ ” (42).
إن عدم الرضا بمصائب الدنيا قد يصحبه الجزع. ومن جزع من مصائب الدنيا تحولت مصيبته في دينه ، لأن الجزع نفسه هو مصيبة في الدين ، فالمؤمن يرضى عن ربه وعن ما يقضي به ربه ، فالخير ما يختاره الله لعبده المؤمن لا ما يحبه هو لنفسه.
ومما يعين على الرضا بما قسمه الله تعالى لكم أن تنظروا إلى من هو أسفل منكم: عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله r " انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله – قال أبو معاوية: عليكم – " أخرجه البخاري: 6490، ومسلم 2963.
الرضا بالقضاء يرفعه (من كتاب مكارم الأخلاق للشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى)
لا يُرفع قضاء من الله على خلقه إلا بعد أن يستسلم الخَلْق للقضاء، والذين يطيلون أمد القضاء على أنفسهم هم الذين لا يرضون به ولا يوجد إنسان أُجري عليه قضاء كمرض مثلاً فرضي به وإعتبر ذلك إبتلاء من الله تعالى، فصبر لذلك وإحتسب إلا ورفع الله تعالى عنه المرض بل وجزاه خير الجزاء على صبره وإحتسابه. كيف؟
إن الإنسان بالصحة يكون مع نعمة الله تعالى ولكنه بالمرض يكون مع الله تعالى. فقد روى أبو هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله r " إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده؟ أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟.
من إذن يجرؤ على الزُهد في معية الله؟ إن المريض عندما يعرف أنه في مرضه الذي يتأوه منه هو في معية الله لاستحيا أن يقول (آه) ولرغب إلى ربه ومولاه وحمده وسأله العفو والعافية.
ولذلك إذا رأيت إنساناً طال عليه أمد القضاء فإعلم أنه لم يرض بما وقع له ولو أنه رضي لرفع القضاء.
إذن لا يرفع قضاء حتى تكون نفس من إبتُلي به راضية، وما دام عدم الرضا موجوداً فالناس هم الذين يطيلون على أنفسهم أمد القضاء لأنهم لا يرضون به فإذا قال لك إنسان إنه راض بقضاء الله تعالى وأن القضاء لم يُرفع بعد فإعلم أنه يقول ذلك بلسانه ولا يرضى قلبه بذلك وجاء في الحديث "ليس لإبن آدم إلا ما قُدر له" (رواه مسلم عن إبي هريرة رضي الله عنه).
ثمرة الرضا بقضاء الله تعالى (من كتاب مكارم الأخلاق للشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى)
قال تعالى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) الأنعام)
ما هو الضر أولاً؟ إن الضر هو ما يصيب الإنسان ويخرجه عن إستقامة حياته وحاله. فالإنسان يعيش بغير شكوى أو مرض ويشعر بتمام العافية فهو يعرف أنه صحيح البدن، لكن ساعة يؤلمه عضو من أعضاء جسمه فهم يضع يده عليه ويشكو ويفكر في الذهاب إلى الطبيب.
إذن فإستقامة الصحة بالنسبة للإنسان هي رتابة عمل كل عضو فيه بصورة لا تلفتهه إلى شيء.. ويلف الحق أصحاب النعم إلى شكره سبحانه وتعالى، فعندما تسير في الشارع وترى إنساناً فقد ساقه فأنت تقول" الحمد لله الذي عافاني مما ابتلى به كثيراً من خلقه" لأنك سليم الساقين وهكذا تعرف أنك لا تدرك نعمة الله في بعض منك إلا إذا رأيتها مفقودة في سواك.. وهكذا تعلم أن من الآلآم والآفات منبّهات للنعم. وفي الحديث عن إبن عمر قال: قال رسول الله r: " من فجئه صاحب بلاء فقال: الحمد لله الذي عافاني مما إبتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً" عوفي من ذلك البلاء كائناً من كان" رواه إبن ماجه والترمذي وصححه الألباني.
وأيضاً نجد أن منغصات الحياة قد تصيب الإنسان حين يتصور أنه لم يأخذ حظه من نعم الله تعالى فيقول لحظتها: يا مفرّج الكروب يا رب، ولذلك حين نجد الإنسان يقول: يا رب، نعرف أنه يفزع إلى الله تعالى ولذلك قالها تعالى عن الإنسان (وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) يونس) وذلك يعني أن الإنسان إذا ما أصابه مكروه فهو يلجأ إلى الله، ولا يمل دعاء الله على كل حال سواء أكان الإنسان مضطجعاً أو قاعداً أو قائماً. وعندما يكشف الحق عنه الضر قد ينصرف عن الدعاء ويعيش رتابة النعمة وينسى المنعم سبحانه وكأنه لم يدع الله سبحانه إلى كشف ما يه من ضر، وهذا هو سلوك المسرفين على أنفسهم، إن النفس أو الشيطان تزيّن للعاصي بعدما يكشف الله ما به من ضر، أن الذي كشف الضر هو مهارة الطبيب الذي لجأ إليه! غافلاً عن أن مهارة مهارة الطبيب هي نعمة من نعم الله تعالى، أو ينسب أسباب خروجه من كربه إلى ما آتاه الله من علم أو مال، غافلاً عن أن الله سبحانه وتعالى هو واهب كل شيء، كما فعل قارون الذي ظنّ أن ماله قد جاءه من تعبه وكدّه غافلاً أن الحق هو مسبب كل الأسباب، ولو كان ذلك كذلك لاستطاع قارون أن يحافظ على ذلك المال بعلمه كما إدّعى إشارة إلى قوله تعالى (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) القصص ).
إذن لولا الضر ما علمنا العافية فالضر يلفت الإنسان إلى نِعَم الحق سبحانه وتعالى في هذه الدنيا وإذا ما رضي الإنسان وصبر فإن اله يرفع عنه الضر بل ويثيبه عليه.
والحق سبحانه وتعالى يعطينا نماذج على مثل هذا الأمر فها هو سيدنا إبراهيم عليه السلام يتلقى الأمر بذبح إبنه الوحيد إسماعيل عليه السلام يأتيه هذا الأمر في رؤيا، وريا الأنبياء حق ( يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك) إن على إبراهيم أن يذبح إبنه بنفسه. وهذا إرتقاء في الإبتلاء ولم يلتمس إبراهيم خليل الرحمن عذراً ليهرب من إبتلاء الله تعالى له، لم يقل مجرد رؤيا وليست وحياً لقد جاءه الأمر بأشق تكليف وهو ذبح الإبن ونرى عظمة النبوة في إستقبال أوامر الحق فيتقبل خليل الرحمن الأمر عن طيب نفس ورضا بالقضاء، فيلهمه الله أن يشرك إبنه إسماعيل في إستقبال الثواب بالرضا بالقضاء قال تعالى (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) الصافات) امتلأ قلب إسماعيل بالرضا بقضاء الله ولم ينشغل بالحقد على أبيه ولم يقاوم ولم يدخل في معركة جدلية، بل قال قول المؤمن الواثق بربّه الراضي بقضائه المستسلم لأمره: (يا أبت إفعل ما تؤمر) لقد أخذ عليه السلام أمر الله بقبولٍ ورضا.
ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) الصافات)
لقد إشترك الإثنان في قبول قضاء الله وإستسلم كل منهما للأمر عن طيب خاطر ورضى، أسلم إبراهيم كفاعل وأسلم إسماعيل كمنفعل ورأى الله تعالى صدق كل منهما في إستقبال أمر الله وهنا نادى الحق إبراهيم عليه السلام: لقد صدقت إستجبت أنت وإسماعيل إلى القضاء وحسبكما هذا الإمتثال ولذلك يجيء إليك وإلى إبنك التخفيف وجاء النداء بذبح عظيم القدر جعله الله منسكاً من مناسك ذرية إبراهيم والذين آمنوا إلى يوم الدين، ليس هذا فقط بل ومكافأة عظيمة، قال تعالى (وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) الصافات) لقد رفع الله عن إبراهيم القضاء وأعطاه الخير وهو ولد آخر.
إذن فنحن الذين نطيل على أنفسنا أمد القضاء بعدم قبولنا له، لكن لو رضي الإنسان بقضاء الله وإستقبله بالحمد، لرفع عنه البلاء، وجزاه الله عن صبره ورضاه خير الجزاء من مجريه قال تعالى (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) الأنعام).
إن الله يعلم أن أيّاً من عباده لا يتحمل قوة في الضر ولذلك يكون الضر في هذه الحالة مجرد مس، وكذلك الخير إنما ينال الإنسان مسّ الخير فقط فكل الخير مدّخر في الآخرة. لأن خير الدنيا إما أن يزول عن الإنسان أو يزول الإنسان عنه.
إن الإنسان في الدنيا مهما إرتقى في الإبتكار والإختراع فهو لن يصل إلى كل الخير الذي يوجد في الآخرة ذلك أن خير الدنيا يحتاج إلى تحضير وجهد من البشر أما الخير في الآخرة فهو على قدر المعطي الأعظم وهو الله سبحانه وتعالى.
إذن كل خير في الدنيا هو مجرد مسّ خير لأن الخير الذي يناسب جمال وكمال الله تعالى لا يزول ولا يحول ولا يتغير وهو مدّخر للآخرة. وعلينا أن نعلم أن كاشف الضر هو الله لا أحد غيره فالمريض لا يشفى بمجرد الذهاب إلى الطبيب لكن الطبيب يعالج بالمهارة الموهوبة له من الله والذي يشفي هو الله سبحانه وتعالى.
قال تعالى حكاية عن الخليل إبراهيم أنه قال (وإذا مرضت فهو يشفين) إن الحق سبحانه وتعالى قد خلق الداء وخلق الدواء وجعل الأطباء مجرد جسور إلى الدواء ومن ثم إلى الشفاء لينعم على بعض عباده ببعض من المواهب التي خلقها في كونه ونحن نرى أن الطبيب المتميز يعلن دائماً أن الشفاء جاء معه لا به ويعترف أن الله أكرمه بأن جعل الشفاء يأتي على ميعاد من علاجه.
إذن.. فالحق هو الكاشف الحقيقي للضر وهو القادر على أن يعطيك الخير . روى مسلم عن جابر رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل".
فضل الرضا من الآيات والأحاديث (من كتاب مكاشفة القلوب لأبي حامد الغزالي):
فضل الرضا من الآيات قوله تعالى (قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (119) المائدة). وقد قال تعالى (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)، الرحمن) ومنتهى الإحسان رضا الله تعالى عن عبده وهو ثواب رضا العبد عن الله تعالى.
وقال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (72) التوبة) فقد رفع الله تعالى الرضا فوق جنات عدن. كما رفع ذكره فوق الصلاة (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)، العنكبوت) فكما أن مشاهدة المذكور في الصلاة أكبر من الصلاة فرضوان رب الجنة أعلى من الجنة بل هو غاية مطلب سكان الجنان.
وفي الحديث : "إن الله تعالى يتجلي للمؤمنين فيقول: سلوني، فيقولون: رضاك". فسؤالهم الرضا بعد النظر نهاية التفضيل.
ولا رتبة فوق النظر إليه فإنما سألوه الرضا لأنه سبب دوام النظر فكأنهم رأوه غاية الغايات وأقصى الأماني لما ظفروا بنعيم النظر فلما أُمروا بالسؤال لم يسألوا إلا دوامه وعلموا أن الرضا هو سبب دوام رفع الحجاب وقال الله تعالى (ولدينا مزيد (ق، 35) قال بعض المفسرين فيه: يأتي أهل الجنة في وقت المزيد ثلاث تُحف من عند رب العالمين، إحداهما هدية من عند الله تعالى ليس عندهم في الجنان مثلها فلذلك قوله تعالى (فلا تعلم نفس ما أُخفي لهم من قرة أعين، السجدة 17) والثانية السلام عليهم من رهم فيزيد ذلك على الهدية فضلاً، وهو قوله تعالى (سلام قولاً من رب رحيم، يس 58) والالثة يقول الله تعالى : إني عنكم راض فيكون ذلك أفضل من الهدية والتسليم فذلك قوله تعالى (ورضوان من الله أكبر، التوبة 72) أي أكبر من النعميم الذي هم فيه فهذا فضل رضا الله تعالى وهو ثمرة رضا العبد.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل طائفة من أصحابه "ما أنتم؟" قالوا: مؤمنون. قال: ما علامة إيمانكم؟ فقالوا: نصبر على البلاء ونشكر عند الرخاء ونرضى بمواقع القضاء. فقال: مؤمنون ورب الكعبة. وفي خبر آخر أنه قال: حكماء علماء كادوا من فقههم أن يكونوا أنبياء".
وفي الخبر: طوبى لمن هُديَ للإسلام وكان رزقه كفافاً ورضي به".
وقال صلى الله عليه وسلم:" إذا أحبّ الله تعالى عبداً إبتلاه فإن صبر إجتباه فإن رضي عنه إصطفاه".
*******************************************
* عن شقيق البلخي أنه قال: الناس يقولون ثلاثة أقوال وقد خالفوها في أعمالهم : يقولون نحن عبيد الله وهم يعملون عمل الأحرار وهذا خلاف قولهم، ويقولون: إن الله كفيل بأرزاقنا ولا تطمئن قلوبهم إلا بالدنيا وجمع حطامها، وهذا أيضاً خلاف قولهم. ويقولون: لا بد لنا من الموت، وهم يعملون أعمال من لا يموت، وهذا أيضاً خلاف قولهم.
* من لم يرض بقضاء الله تعالى ولم يصبر على بلائه ولم يشكره على نعمائه ولم يقنع بعطائه فليطلب رباً سواه.
***********************************************
في الإبتلاء في الدنيا وكيف يعمل بها؟
حدثنا شيبان بن فروخ. حدثنا همام. حدثنا إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة. حدثني عبدالرحمن بن أبي عمرة؛ أن أبا هريرة حدثه؛ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إن ثلاثة في بني إسرائيل. أبرص وأقرع وأعمى. فأراد الله أن يبتليهم. فبعث إليهم ملكا. فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لون حسن وجلد حسن ويذهب عني الذي قد قذرني الناس. قال فمسحه فذهب عنه قذره. وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل (أو قال البقر. شك إسحاق) - إلا أن الأبرص أو الأقرع قال أحدهما: الإبل. وقال الآخر البقر - قال فأعطى ناقة عشراء. فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس. قال فمسحه فذهب عنه. وأعطي شعرا حسنا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملا. فقال: بارك الله لك فيها. قال فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إلي بصري فأبصر به الناس. قال فمسحه فرد الله إليه بصره. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والدا. فأنتج هذان وولد هذا. قال: فكان لهذا واد من الإبل. ولهذا واد من البقر. ولهذا واد من الغنم. قال ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين. قد انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك، بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيرا أتبلغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك. ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ فقيرا فأعطاك الله؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر. فقال: إن كنت كاذبا، فصيرك الله إلى ما كنت. قال وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا. ورد عليه مثل ما رد على هذا. فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت. قال وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل. انقطعت بي الحبال في سفري. فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك. أسألك، بالذي رد عليك بصرك، شاة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري. فخذ ما شئت. ودع ما شئت. فوالله! لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله. فقال: أمسك مالك. فإنما ابتليتم. فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك". (صحيح مسلم، باب الزهد والرقائق).
*************************************************
نصائح هامة (من كتاب ثلاثون سبباً للسعادة للشيخ عائض القرني):
1. فكّر واشكر: تذكّر نعم الله المتعددة عليك في جسدك وصحتك وما سخّره لك الله تعالى من المخلوقات والأرزاق في هذا الكون الفسيح. وتذكّر وأنت تنظر في المرآة أن الله تعالى أحسن الخالقين هو الذي خلقك وصوّرك في أحسن تقويم واذكر وأنت تأكل طعامك أو تشرب شرابك أن الله تعالى هو الذي رزقك الطعام والشراب من غير حول منك ولا قوة ، واذكر وأنت تتفكر كيف يعمل جسدك الذي خلقه تعالى في أحسن صورة وجعل أعضاءك كلها تعمل بشكل دقيق لا تدري كيفيته واذكر أن كل هذه النعم يعطيها الله تعالى للناس جميعاً الطائع منهم والعاصي أفلا تكون عبداً شكوراً وتشكر الله على نعمه واذكر قوله تعالى: (وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها) فخذ من وقتك دقائق تأمل فيها نم الله عليك ولا تكن ممن قال فيهم الله تعالى (يعرفمون نعمت الله ثم ينكرونها)
2. ما مضى فات إن تذكّر الماضي واستحضاره بين الحين والآخر لن يجدي نفعاً غير الحسرة والحزن فلا تدع لنفسك العنان باستحضار الماضي وتضييع الوقت بما فات لأنه لن يعود ولا يمكن استرجاع لحظة واحدة فاتت من حياتك لأن في هذا ضياع للحاضر. ألم تتفكر أنك باسترجاع الماضي تأخذ من الوقت الحاضر فتضيع وقتا على وقت قد ضاع أصلاً وذهب إلى غير رجعة! إن بلاء مجتمعاتنا وبلاءنا كأفراد أننا نشتغل بالماضي ونعجز عن ال