الحمد لله العالم بأحوال العباد، ومُصَرِّفِ القلوبِ على ما شاء وأراد، سبحانه لَهُ تلهَجُ الألسنة الشاكرةُ بمجامع الحمدِ والثَّنَاء، وله المجد والسلطان والعلاء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فلله أمر القلوب! ما أعجبَها! وما أسرعَ أحكامَها وتقلباتِها! وما أشدَّ أثرَها على حياة الناس وحركة العباد! وسبحان مَن خلقها وجعلها ملوك الأبدان، ومصرفة الأحكام بالميل والنوى، والقرب والبعاد.
ألا وإن هدف الإنسان أن يحيا بقلب خالٍ من العلل والأمراض، بعيدٍ عن الكآبات والأحزان، ذلك أمل كل مَن له قلب يحيا به ويعيش.
والناس في ذلك ما بين صاحب قلبٍ سليم، مُزاحِ العلل والأوضار الجسمية والروحية، المانعة لتشرُّبِ نور الهداية؛ فهو على نورٍ مِنْ رَبِّهِ، وما بين معلول بقلبه، قد أصابته بعضُ الأوجاع في الأوردة والشرايين، وتحالفت عليه أمراض ثِقَال، تُدْنِيه من الضعف والموت، وما بين صاحبِ قلبٍ ميت، قد أثخنته المعصية بالجراح، حتى أدركه مثواه الأخير، فصاحب هذا القلب يحتاج إلى مَن يُعَزيه؛ لأنه صاحب بلوى، قد مات الأمير المحرِّك لتصرفاته وشؤونه، والمصيبة أنه لا يشعر بذلك؛ بل ولا يتصور أصلاً أن له من هذا الكلام نصيبًا.
وهناك قلب مقارف العلل، على شفا حفرة من التردِّي والسقوط، فكل أعماله لا تنفع صاحبها؛ لأن حاله دائر بين القسوة والنفاق والحسد، وغيرها من أمراض القلوب الفتاكة، وهذا هو معظم حال الناس؛ إلا مَن رحم الله - تعالى - فهذا القلب وأشابهه هو المعول عليه، وهو الذي يجب الإسراعُ بإخراجه من الظلمات إلى النور، والقيام بعملية إسعاف فورية قبل أن يضيع بالموت، برغم أن مَن يحمله يسعى على قدمين.
وليبدأ الإنسان عملية الإصلاح الشاملة بالقلب؛ إنه سيد الأعضاء، والقيِّم عليها، ومحركها وآمرها؛ قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((إن في الجسد مضغةً، لو صلَحتْ لصلَح الجسدُ كله، ولو فسدتْ لفسد الجسد كله؛ ألا وهي القلب))؛ (رواه البخاري 52، بسند صحيح عن النعمان بن بشير)، فإذا كان السيد أعوجَ، فما حيلة العبيد؟! والسيد هو القلب المسيطر بمشيئته على الجوارح، والعبيد هم بقية أعضاء البدن.
ويوم القيامة ستنجلي القيمة العظمى للقلب السليم، الذي سيذهب بكل حطام الدنيا الذاهب مع فنائها؛ قال الله - تعالى -: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89].
بركاتُ القلب السليم:
وهنيئًا لمن داوم على إصلاح قلبه، وتعهَّدَه بحسن الرعاية والمتابعة، وحفِظَه من أغيار السوء، التي تُنَكس أعلام فطرته، وتجنح به إلى مهاوي السقوط.
إن المؤمن متى داوم على ذلك، ضَمِن وراثة النعيم في جنات الخلود؛ بل ويبشره النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - بذلك، فأول زمرة يدخلون الجنة: ((لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد))؛ (البخاري 3245، بسند صحيح عن أبي هريرة)، وعنه أيضًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يدخل الجنة أقوام، أفئدتهم مثل أفئدة الطير))؛ (مسلم 2840، بسند صحيح)؛ وذلك لأنهم جاهدوا على طريق الهداية وطهارة القلوب فى الدنيا، فكانت مكافأتهم من جنس أعمالهم؛ أليس هم الذين طلبوا من ربهم ذلك؟! قال الله - تعالى -: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا} [الحشر: 9]، هكذا كان حالهم في الدنيا، وقد أكرمهم ربهم - سبحانه - بما طلبُوه وتمنَّوْه؛ قال الله - تعالى -: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر: 47].
وصاحب القلب السليم يفوز بالنعت الجميل من النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - وذلك كما جاء في الحديث: "قيل: يا رسول، أيُّ الناس أفضل؟"، قال: ((كل مخموم القلب، صدوق اللسان))، قالوا: "صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟"، قال: ((التقي النقي، الذي لا إثم فيه، ولا بغي، ولا حسد))؛ (المنذري في "الترغيب" 4/ 33، عن عبدالله بن عمرو بن العاص، بسند صحيح).
ولا تزال طهارة القلب بالعبد، حتى تكون سببًا له في قبول أعماله الصالحة؛ فإن الله - تعالى - يَقبَل العمل ما صاحبتْه نيةٌ صالحة، أما أهل الشحناء والبغضاء، فهم موقوفون عن القبول حتى يتم الصلح بينهم؛ قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((تُعرض الأعمال كلَّ اثنين وخميس، فيغفر الله - تعالى - في ذلك لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرءًا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا))؛ (مسلم 2565، بسند صحيح عن أبي هريرة).
أمارات القلب السليم:
والقلوب لها أمارات بها تعرف، وتظهر معادنها ومخبَّآتها، والجسد هو المترجم الحثيث عن آمالها وظواهرها، قال الشاعر:
إِنَّ الكَلاَمَ لَفِي الفُؤَادِ وَإِنَّمَا جُعِلَ اللِّسَانُ عَلَى الفُؤَادِ دَلِيلاَ
وقد يتذوق الناس طعمَ مشاعرهم بالإحساس؛ ولكنَّ هناك أمورًا ظاهرة، وإشاراتٍ باديةً يعرف أولو الألباب من خلالها بعضَ الأسرار الباطنة، التي تبدو أماراتها على العالم الخارجي في ظاهر البدن، فتبوح عن القلوب بأسرارها.
وهكذا؛ يمكن التعرف على بعض العلامات الخاصة بالقلب السليم، والتي منها:
* أنه مرتحل دائمًا عن الدنيا، حتى يحل بالآخرة، وينزل إلى ساحاتها المرهوبة، حتى يظن مَن يرى صاحبَ هذا القلب أنه من أبناء الآخرة، وليس من أبناء الدنيا، ويرى الناسُ من صفاته أنه جاء إلى الدنيا كالغريب الذي يمر بأرض قومٍ؛ حتى يقضي حاجةً منها، ثم يعود إلى قومه وأهله ووطنه؛ قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - لعبدالله بن عمر: ((كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل، وعُدَّ نفسك من أهل القبور))؛ (البخاري 5037).
فكلما صحَّ القلب مِن مرضه واستقام، وسَلِم من آفات الدنيا، ترحَّل منها إلى الآخرة حتى يصير من أهلها، وكلما مرض القلب واعتل، آثر الدنيا، وركن إليها، واستوطنها، وإحساس الغربة الآسر في نفس المؤمن، هو الشعور الدال دومًا على سلامة قلبه، وسمو فطرته؛ لأن آماله تتلخص في الجنة، ميراث أبيه الأول آدم - عليه السلام -:
فَحَيَّ عَلَى جَنَّاتِ عَدْنٍ فَإِنَّهَا مَنَازِلُنَا الأُولَى وَفِيهَا المُخَيَّمُ
وَحَيَّ عَلَى رَوْضَاتِهَا وَخِيَامِهَا وَحَيَّ عَلَى عَيْشٍ بِهَا لَيْسَ يُسْأَمُ
وَلَكِنَّنَا سَبْيُ العَدُوِّ فَهَلْ تُرَى نَعُودُ إِلَى أَوْطَانِنَا وَنُسَلِّمُ
* ومن أمارات سلامة القلب: أن صاحبه يَحنُّ إلى الطاعة ويهواها، كما يشتاق الجائع إلى الطعام، والظمآن إلى الماء، والعليل إلى الدواء؛ لأنه يرى في الطاعة راحة الروح، وملء فراغاتها بعيدًا عن مواطن التهلكة.
* ومن أمارات سلامة القلب: أنه متعلق دائمًا بربه ومولاه، فهو يأرز إلى التوبة والإنابة، ويتعلق بالله تعلُّقَ الحبيب الصبِّ بحبيبه، فلا يرى راحة، ولا فلاحًا ولا نعيمًا إلا برضا ربه، وقربه والأنس به، فيسكن إليه، ويأوي إليه، ويفرح به، ويخافه ويرجو رحمته، ويتوكل عليه، ويدمن ذكره عند جلاَّسه وفى نفسه، فإذا حصل له ذلك، اطمأنَّ وزال اضطرابه وقلقه، وانسد باب الفقر من عينيه، وجاءت أعلام السلامة من كل سبيل.
قال بعض العارفين: "مساكين أهل الدنيا؛ خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل: وما هو؟ قال: محبة الله، والأنس به، والشوق إلى لقائه، والتنعم بذكره وطاعته"، وقال أبو الحسن الوراق: "سلامة القلب في ذكر الحي الذي لا يموت، والعيش الهني: الحياة مع الله لا غير".
* ومن علامات سلامة القلب: ذهاب الهم والغم، وحصول الراحة مع الصلاة والصيام وسائر القربات.
* ومن العلامات أيضًا: أن صاحب القلب السليم يشح بوقته على الدنيا وتوافهها أشدَّ من شح البخيل بماله، دارجًا عمره كله في ظلال قوله - تعالى -: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162].
أمراض القلوب:
لو وُجِّه سؤالٌ إلى أحد من الناس عن أمراض البدن، لعرَفها وذكر منها: السكري، والضغط، والفالج، والجلطات، والعمى، والسرطان، والإيدز، والطواعين... وغيرها مما يشتهر بين الناس؛ ولكن هل نحن على علم، أو مجرد معرفةٍ بأمراض القلوب؟ خصوصًا وإن القلب معرضٌ دائمًا لفيروس المرض المهلك، والقاتل لإدراك هذا القلب؛ روى حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تُعرَض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشرِبها، نُكتتْ فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها، نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تصير القلوب على قلبين: قلب أبيض مثل الصفا؛ فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادًّا – مقحطًا - كالكوز مُجَخِّيًا - فارغًا مقلوبًا - لا يعرف معروفًا، ولا ينكر منكرًا؛ إلا ما أُشرب مِن هواه))؛ (ذكره الألباني في "صحيح الجامع" 2960، بسند صحيح).
عوارض المرض:
ولكل مرض عارضٌ يُظْهره؛ فمرض اليد: أنْ يتعذر عليها البطش، ومرض اللسان: أن يتعذر عليه النطق، ومرض البدن: أن يتعذر عليه حركته الطبيعية.
أما مرض القلب، فهذا شيء آخر، بحيث يتعذر عليه ما خلَقَه اللهُ له مِن معرفته ومحبته، والشوق إلى لقائه، والإنابة إليه، وإيثاره على كل شهوة، وتذكُّره عند كل نعمة ونقمة؛ يقول ابن القيم - رحمه الله -: "فلو عرَف العبد كل شيء ولم يعرف ربه، فكأنه لم يعرف شيئًا، ولو نال كل حظٍّ من حظوظ الدنيا، ولذاتها، وشهواتها، ولم يظفر بمحبة ربه، والشوق إليه، والأنس به - فكأنه لم يظفر بلذة، ولا نعيم، ولا قرة عين".
قد يمرض القلب ويشتد مرضه، وصاحبُه لا يعرف ولا يشعر به؛ لأنه مشغول عن ذلك؛ بل قد يموت القلب - عياذًا بالله - وصاحبه لا يشعر بموته.
وعند التأمل في حياة كثير من الناس، تجدهم أبعد شيء عن ربهم، وعن الصدق معه، وعن دينهم، وعن القيام بمسؤولياته، ترى الذنوب والفواحش التي يستحيي إبليس مِن تصوُّرها، ترى المعاصي على كل لون، وبألف طريقة، ترى الناس في غفلة، وشرود، ولهوٍ، وصدٍّ عن سبل الهدى والفلاح، وما الرين، وغلبة الهوى، والقسوة، وجمود العين، وموت الضمير، وعدم الندم على فعل المعصية، وغير ذلك - كله ما هو إلا صور تستجلب العبر من أمراض القلوب، التي عمَّت بها البلوى، وإلى الله المشتكى؛ {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ * لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ} [الأنبياء: 1 - 3].
كيف يتذوق الإنسان طعم الحياة بجسم متيقظ على الشهوات والمعاصي، وبقلب مريض أو ميت؟! بل كيف يتذوق طعم الإيمان، وعنده هذه العوائق والعقبات؟ إن مرض القلب أو موته هو التفسير المنطقي لحياة كثير من البشر الذين استيقظت شهواتهم، وماتت قلوبهم.
ومن الناس مَن يشعر بمرض قلبه، ولكن يشتد عليه تحملُ مرارة الدواء والصبر عليها، وتارة يوطِّن نفسه علي الصبر، ثم ينفسخ عزمه، فيرجع عن الطريق، ولا سيما عند قلة الرفيق، وعند الوحدة، فحاله يقول لو نطق: أذهب مع الناس حيث ذهبوا، وهذه حال أكثر الخلق.
علامات مرض القلب:
وللقلب المريض علامات تميزه عن غيره؛ منها:
* أن صاحب القلب المريض ينفر دائمًا من الأغذية النافعة، ولا أنفع للقلب من هدايات الدين، المتمثلة في الكتاب والسنة، وهدي السلف الصالح - رضوان الله تعالى عليهم أجمعين - فمَن آنس من نفسه هذا المعنى، فليوقن بأن قلبه فيه عطب حينما ينفر من أغذية القلب؛ كحضور مجالس العلم، وتلاوة القرآن، وحلقات التعليم والمدارسة؛ قال الله - تعالى -: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82].
* أن صاحب القلب المريض لا تؤلمه جراحاتُ المعاصي، والقبائح التي يرتكبها، ولا يزال يعمل القبيح، ولا يرعوي، ولا يتعظ إذا وُعظ؛ فهذا قلب محروم من التوفيق بجراح القسوة.
* بل إن القلب المريض يجد صاحبُه لذةً في المعصية إذا عملها، ويجد راحة بعدها، ولا يلدغ ضميرَه شيءٌ من الندم.
* أن صاحب القلب المريض يقدِّم الأدنى على الأعلى، ويهتم بتوافه الأمور وينسى أعلاها، ويقدم العاجلة على الآجلة، والقلب أساسًا مثل الطائر، كلما اقترب من الأرض وتسفل، اقترب من الآفات، وكلما علا، بَعُد عن الآفات والمكاره.
* ومن علامات القلب المريض: أن صاحبه يكره الحقَّ، ويضيق صدرُه به، وأسوأ منه مَن يجادل في ذلك.
* ومن علامات القلب المريض: أن صاحبه يكره الصالحين، ويتوحش منهم، ويتألف أهل المعصية، ويأنس بالمذنبين.
أسباب معينة على سلامة القلب:
وهناك من الأمور ما يعين اللهُ به على المحافظة على القلب حتى يظل سليمًا؛ منها:
* الدعاء الدعاء، فهو باب من أبواب الراحة القلبية، حينما يلجأ العبد إلى ربه ومولاه؛ لأنه على يقين أنه ما بعد الدعاء إلا الإجابةُ، قال الله - تعالى -: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186]، وليُكثر المؤمن من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بالثبات على الدِّين، حيث كان - صلى الله عليه وسلم - يلهج دومًا بهذا الدعاء: ((يا مقلب القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))؛ (الترمذي 3522، عن أم سلمة، بسند حسن)، وليستعن بالله - تعالى - في دفع خطرات السوء إذا هيجها الشيطان، أو عوارض الدنيا، وليقل مع الصحابة والصالحين: {وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا} [الحشر: 10]، واسأل الله دومًا أن يعينك على قلبك.
* حسن الظن بالناس، وعدم تفسير المواقف وحملها على الظن السيئ؛ فقد قال الله - تعالى -: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ} [الحجرات: 12]، وقال - تعالى -: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ} [الأنعام: 120].
دخل رجل على الإمام الشافعي وهو مريض، فقال: قوَّى الله ضعفك يا إمام، فقال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني، قال الرجل: والله ما أردتُ إلا الخير، قال الشافعي: أعلمُ أنك لو سببتَني ما أردتَ إلا الخير.
* الدفع بالحسنى، قال الله - تعالى - {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [فصلت: 34]، وليس هذا من باب الضعف أو العجز؛ ولكنه من الكياسة وحسن الخلق، ثم إن ذلك يبعد الشُّبه التي تخطف القلبَ من صاحبه، وتُوقِعه في شرك التخيلات الوهمية السامة.
* الهدية باب من أبواب صلاح القلوب بين أطراف المجتمع، فقد ورد قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((تهادوا تحابوا))؛ (أخرجه العراقي في "هامش الإحياء" 2/53 عن أبى هريرة بسند جيد)؛ فالهدية تذهب بسخائم القلوب، وتعيد لها عافيتَها، وصدق مَن قال:
أَحْسِنْ إِلَى النَّاسِ تَسْتَعْبِدْ قُلُوبَهُمُ لَطَالَمَا اسْتَعْبَدَ الإِنْسَانَ إِحْسَانُ
وأخيرًا:
تعهَّد قلبَك بالرعاية؛ لأنه متقلب، واختبر مشاعره وأحاسيسه دومًا، واصنع له متابعات دائمة من الاكتشاف المبكر للأمراض التي تحاول الاقتراب منه، واعلم بأن القلب لا يمكن أن يحيا بلا قُوتٍ ولا غذاء، فكما أن البقول والفواكه والمشروبات وغيرها أغذية الجسم، فالطاعة والتعلم وصنوف العبادة وغيرها - من أهم الأغذية النافعة للقلب.
* واعلم: بأن صاحب القلب المريض لا يرى الأشياء على حقيقتها، ولا يرى الناس على حقيقتهم، ولا يعرف الحياة على حقيقتها؛ لأن العبرة ليست بنواظر العيون، وإنما ببصيرة القلوب؛ قال الله - تعالى -: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].
ويقول أبو فراس:
وَتَاللَّهِ مَا الأَبْصَارُ تَنْفَعُ أَهْلَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلمُبْصِرِينَ بَصَائِرُ
أما القلب الميت، فنسأل الله له الرحمة.
والحمد لله في بدء وفي ختم.