السؤال:
أنا شاب أبلغ من العمر 37 سنة ، وقد وفقني الله عز وجل بشهادة علمية عالية ، ووضعي المالي ممتاز ولله الحمد، مشكلتي تكمن في حياتي الزوجية ، حيث أنني تزوجت فتاة عن طريق الأهل منذ حوالي ثمانية سنين ، وأشعر بأنني لم أوفق في زواجي على الإطلاق، فمع أن زوجتي إنسانة طيبة، إلا أنها تأخذ الحياة الزوجية باستهتار شديد، فهي مقصرة في نفسها وبيتها وأطفالها، حاولت معها الكثير، وتكلمت مع أهلها، ولكن لا حياة لمن تنادي، فهي كسولة وتحب الفوضى، عكسي تماما، وفي نفس الوقت لا أجد في نفسي أي إنسجام معها، والله إنني طوال هذه السنين وأنا في حزن ومعاناة شديدة بسبب زوجتي ، فلا أجد لذة للحياة على الإطلاق، حاولت الصبر على ذلك، ولكنني أصبحت سريع الغضب بسبب زوجتي ، وأشعر دائما بالإثم عندما أغضب، ولكنني إنسان لم أعد أحتمل تصرفاتها، وفي نفس الوقت لا أستطيع طلاقها بسبب أطفالي الأربعة ، أحيانا أسأل نفسي سؤالا: هل زواجي منها هو إبتلاء أم عقاب من الله عز وجل؟ فوالله إنني كنت أتمنى دائما الزوجة الصالحة التي تفهمني وتعينني على طاعة الله، ولكنني طوال هذه السنين أشعر بالحسرة لأنني أشعر دائما بأنني قد تسرعت وأسأت الاختيار.
فبماذا تنصحني يا شيخ ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً:
لا يمكن تخيل حياة زوجية دون مشكلات فيها ، وهذه أشرف بيوت على وجه الأرض وهي بيوت الأنبياء ، فهل كان العيش فيها خاليا من كل منغص ، أو اختلاف بين الزوجين ؟!
فإن شئت ذكَّرناك ببيت أبينا إبراهيم عليه السلام وخلافه مع والده ، أو بيت نوح وخلافه فيه مع زوجته وابنه ، أو بيت لوط عليه السلام وخلافه فيه مع زوجته .
وأما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فقد اعتزل نساءه شهراً كاملاً ، في المسجد ! .
فلا تخلو بيوت المسلمين من هذه المشكلات ، وهي تقل بحسب رجحان عقل الزوج ، وقوة شخصيته ، وحكمته في معالجة الأمور ، وتكثر بحسب تهور الزوج ، وشدته ، وغلظته .
ولا يوجد زوجة تطابق ما في مخيلة زوجها من صفات الكمال البشرية ، وهكذا الحال في الزوج ، فلينظر في نفسه ، وما بها من عيب ونقصان ، والسعيد من عدت غلطاته .
فعلى الزوج العاقل تحمل ذلك إن أراد أن تستقيم حياته ، ولن يكون استمتاع بينه وبينها إلا على عوَج ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
ثانياً:
قبل أن تقرر الطلاق : نرجو منك التأمل سريعاً في هذه النقاط :
1. قد تكون أنت السبب في أخطاء زوجتك ، إما بسوء خلقك في تعاملك معها ، أو بمعاصٍ ترتكبها ، ويكون ما يصدر منها عقوبة لك عليها ، فقف على السبب ، وأصلح حالك مع ربك تعالى بالطاعة ، ومع زوجتك بنصيحتها ، وبتعليمها حقوق الزوج عليها ، وسترى أثر ذلك قريباً إن شاء الله .
2. في كثيرٍ من الأحيان يصبر الزوج العاقل على تصرفات زوجته من أجل أولاده ، فهو لا يريد لهم التشتت والضياع ، ويريد لهم التوفيق والرشاد ، وهذا لا يكون – البتة – في الطلاق ، فيصبر على زوجته رجاء أن يكون بقاؤه في بيت الزوجية سبب إصلاح لأولئك الأولاد .
3. وقبل أن تطلِّق عليك التفكير في آثار هذا الطلاق ، ومن تلك الآثار :
أ. قلة أو انعدام فرص تزوج امرأتك من آخر ، بسبب أنها مطلقة ، وأنها ذات أولاد ، ولا يخفاك ما يمكن أن يترتب على هذا الأمر .
ب. تشتت الأولاد ، وضياعهم ، فطاقتهم البدنية ستضيع في التنقل بيت بين أمهم وبيت أبيهم ، وطاقتهم الذهنية ستضيع في التفكير في حال والديهم ، وطاقتهم العاطفية ستجف أو تخف بسبب فقدانهم لحنان الأم المحلى بقوة شخصية الأب .
وقد أحسنتَ جدّاً في جعل هذا الأمر مما يثنيك عن الطلاق ، والحقيقة أنهم سبب مهم ، وأن وجود مثل هؤلاء الأولاد في المجتمعات إنما هو نذير شرٍّ ، فلا تهدم بناءك ، وتشتت أولادك بأمرٍ يمكنك المبادرة بإصلاحه دون هدمه .
إننا نوافقك كل الموافقة على أن التفكير في مصير أولادك ، ومسئوليتك عنهم أمام الله عز وجل ، بل ومصير هذه الزوجة ، أم أولادك ، جدير بأن يردك عن التفكير في الطلاق .
والوصية لك : أن تصارح زوجتك ، وتنصحها بالحكمة والموعظة الحسنة ، وتصبر عليها حتى تكون مثل ما تريد – إن شاء الله - .
وهب أنك قد فعلت كل ما في وسعك ، ولم تشعر بعلاج مشكلتك ، فبإمكانك أن تتزوج امرأة أخرى ، إن كان وضعك المادي يعينك على ذلك ؛ وأما الطلاق : فلا !!
يسر الله لك أمرك ، وشرح صدرك ، وأصلح لك شأنك وزوجك .
والله أعلم .