إن الله أبر بالناس.. وأسر بأوبة العائدين إليه مما يظن القاصرون.
وطبيعي أن تكون هذه التوبة:
نقلة كاملة من حياة إلى حياة ..
وفاصلاً قائماً بين عهدين متمايزين.. كما يفصل الصبح.. بين الظلام والضياء!
فليست هذه العودة زورة خاطفة يرتد المرء بعدها إلى ما ألف من فوضى وإسفاف.. وليست محاولة فاشلة ينقصها صدق العزم، وقوة التحمل، وطول الجلد، كلا.. كلا..
إن هذه العودة الظافرة التي يفرح الله بها.. هي انتصار الإنسان على أسباب الضعف والخمول .. وسحقه لجراثيم الوضاعة والمعصية.. وانطلاقه من قيود الهوى والجحود ..
ثم استقراره في مرحلة أخرى: من الإيمان والإحسان.. والنضج والاهتداء.
هذه هي العودة التي يقول الله في صاحبها:
" وإني لغفار لمن تاب وءامن وعمل صالحاً … ثم اهتدى "
إنها حياة تجددت بعد بلى .. ونقلة حاسمة غيرت معالم النفس .. كما تتغير الأرض الموات بعد مقادير هائلة من المياه والمخصبات..
إن تجديد الحياة لا يعني: إدخال بعض الأعمال الصالحة، أو النيات الحسنة، وسط جملة ضخمة من العادات الذميمة والأخلاق السيئة!
فإن القلوب المتحجرة قد ترشح بالخير .. والأصابع الكزة قد تتحرك بالعطاء : (أفرأيت الذي تولى ، وأعطى قليلاً وأكدى) .. والأشرار قد تمر بضمائرهم فترات صحو قليل .. ثم تعود بعد ذلك إلى سباتها .. ولا يسمى ذلك اهتداءً ..
إن الاهتداء هو الطور الأخير للتوبة النصوح