لم يعد مصدر الحرارة في غزة يقتصر على الحرارة الآتية من الشمس بمعدل مرتفع نسبياً إلى حدٍ ما هذا العام، بل إن الصواريخ والقنابل الإسرائيلية قد شكَّلت مصدراً آخر خلال الأسابيع الأولى من صيف عام 2012 الجاري.
وبينما ينتظر فلسطينيو غزة فصل الصيف للترفيه عن أنفسهم، سابقت (إسرائيل) أحلام هؤلاء بإجازة صيفية ممتعة من خلال موجة تصعيد أوقعت عدداً من الشهداء والجرحى، وبددت آمال الغزِّيين بالاستمتاع بإجازتهم.
وعكَّرت موجة التصعيد صفو أجواء طلبة الثانوية العامة الذين يدلون بإجابتهم في أوراق الامتحانات هذه الأيام.
يوسف السواركة (19 عاماً) من مدينة غزة، طالب يدرس الثانوية العامة- فرع أدبي- كان مُستمتعاً بدراسته عصر السبت الماضي.
وبعد مرور لحظات، سمع السواركة دوي انفجار هائل اهتزت له أرجاء منطقة جامعة القدس المفتوحة في حي النصر شمال غرب مدينة غزة.
وكان هذا الانفجار، سبباً كافياً ليترك الطالب دراسته ذاهباً إلى مكان القصف لمعرفة ما الذي جرى بالتحديد؟.
"أترى هذا الدمار؟" أشار السواركة بيده لمراسل "فلسطين" الذي زار مكان القصف بعد لحظات من سماع دوي الانفجار، وقال: "أصاب صاروخ أطلقته طائرة إسرائيلية سطح البرج إضافة إلى دراجة نارية".
وكان الصاروخ قد أصاب سور سطح برج زغبر، وتسبب بإسقاط جزءٍ منه في الشارع العام، قبل أن يستهدف ثلاثة مواطنين يستقلون دراجة نارية.
"رأيت رجلاً ملقى على وجهه ولا يُحرك ساكناً، إضافة إلى شابين ينزفان الدماء ويركضان بعيداً عن مكان القصف".. يصف السواركة ويداه ترتجفان من شدة الخوف، اللحظات الأولى للقصف.
والمكان الذي استهدفت به الدراجة النارية، يعج بالمواطنين في أوقات المساء إذ إنه من المناطق الحيوية في مدينة غزة.
وقال: "لقد تسبب القصف في قطع الكهرباء، وسيسبب ذلك الكثير من الأضرار السلبية على دراستي".
أما محمد مصطفى وهو طالب في الثانوية العامة أيضاً، قد بدا متوتراً وهو يجلس على مقربة من مكان القصف، ويراقب سيارات الإسعاف وهي تنقل المصابين والجرحى.
يقول: "حين سمعت الانفجار خرجت مُباشرة من المنزل، وتوجهت إلى المكان. كانت الدماء تملأ الأرض".
"أترى الأطفال هناك"؟ أشار مصطفى إلى مكان القصف وقال: "أحياناً يكونون بالعشرات في الوقت الذي جرى فيه القصف".
وأضاف "إن ما يقوم به الاحتلال إجراء سلبي يؤثر على أهل غزة وأطفالها، وأيضاً يؤثر سلبياً على طلاب التوجيهي".
ويبدو مصطفى (19 عاماً) متخوفاً من مُغادرة بيته في أجواء التصعيد التي يشهدها قطاع غزة بفعل غارات طائرات الاحتلال الإسرائيلي والتي لا تفرق صواريخها بين أحد من فلسطينيي غزة.
وتزامن وقت الاستهداف الإسرائيلي للدراجة النارية مع موعد حفل زفاف لعائلة من سكان برج زغبر، إذ كان المكان مليئا بالمدنيين، إلا أن عناية الله كانت فوق إرادة الطائرات الإسرائيلية.
أما المواطن محمد حمدونة (45 عاماً) قد امتلأ بيته بالمهنئين بسلامته من القصف بعد إصابته بشظية في ساقه اليمنى إثر انفجار الصاروخ الإسرائيلي.
وقال لـ"فلسطين": "افتكرت للوهلة الأولى أن المنزل وقع عليّ. شعرت بخوف وقلق شديدين على أهل بيتي من القصف لأنه وقع أمام بيتي".
أما في مجمع الشفاء الطبي قد بدت الوجوه مكدرة بالخوف على المصابين المدنيين جراء القصف.
وكان الجريح تامر السيلاوي ممداً على سرير داخل أحد أقسام المستشفى، وتجمع من حوله والده وأشقاؤه وأعمامه في مُحاولةٍ للاطمئنان.
بدا السلاوي (25 عاماً) غائباً عن الوعي قبل دخوله غرفة العمليات لاستئصال عشرات الشظايا التي اخترقت جسده.
وكان هذا الشاب ماراً في مكان القصف صدفة حين جرى الانفجار الذي أصيب على إثره إصابات بالغة.
وشهد قطاع غزة موجات تصعيد مختلفة منذ انتهاء الحرب نهاية 2008 ومطلع 2009.
ويُسابق جيش الاحتلال من خلال هذه الموجات، الزمن لتصفية من يسميهم بـ"المطلوبين" عبر القصف بالطائرات المختلفة خاصة طائرات الاستطلاع المعروفة بـ"الزنانة".
وأدت موجة التصعيد التي بدأت منذ أسبوع إلى ارتقاء 15 شهيداً بينهم أربعة أطفال، وإصابة أزيد من ستين جريحاً بينهم أطفال ونساء في أكثر من أربعين غارة جوية ومدفعية شنها الاحتلال على مناطق مختلفة في غزة، وفق الناطق الإعلامي باسم اللجنة العليا للإسعاف والطوارئ في غزة أدهم أبو سلمية.
وتُصدر حكومة الاحتلال أزماتها الداخلية إلى غزة عبر التصعيد، بحسب رأي محللين ومراقبين.
غير أن أهل غزة ما زالوا يتطلعون إلى انتهاء التصعيد لعلهم يتمكنون من استكمال إجازتهم بالذهاب إلى الأماكن الترفيهية المحدودة في القطاع الساحلي، لقضاء أوقات ممتعة لعلها تبرِّد حرارة الصواريخ الإسرائيلية التي استوطنت ذاكرتهم لسنوات، كما تحدث مواطنون لـ"فلسطين".
المصدر: فلسطين أون لاي