عبادة الإحساس والشعور
إن عبادة الشعور والإحساس ترتبط بالطاعات والعبادات المحضة في صورة خشوعها وخضوعها، كما أنها ترتبط بالمعاملات الصادقة في صورة الحب المتبادل بين الخلق، وشعور الأخ بإخوانه المسلمين، ومَن فقد هذا الشعور والإحساس فليراجع إيمانه، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمنُ أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحب لنفسه) (رواه البخاري)، وقد آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار في مشهد عملي يُعزز عبادة الشعور والإحساس بين المسلمين، وقال تعالى: }إنمَا المُؤمنون إخْوَة{، وقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم) (رواه مسلم)، وقد بيَّن سبحانه وتعالى أن الشعور بالآخرين والتآخي مع المؤمنين نعمة كما أنها عبادة، فقال تعالى: }فأصْبحْتُمْ بنعْمَتِهِ إخْوَاناً{، وقال تعالى: }ولكنَّ الله ألَّفَ بيْنَهُم{..
ومِنْ عجبٍ أن ترى في المسلمين اليوم من يُقنع نفسه بأنه يملك شعوراً مرهفاً في الصلوات وهو يبكي عند تكبيراتها وآياتها، ثم تجده لا يملك أدنى إحساس في تعامله مع الناس، وأدهى من ذلك وأمَرُّ أن ترى المسلم الصائم القائم لا يهتمُّ لأمر إخوانه المسلمين، فلا يعنيه ظلمهم في سوريا، ولا قهرهم في اليمن، ولا جُرحهم في فلسطين والعراق وأفغانستان، ولا يفرح لفرح إخوانه في مصر وليبيا وتونس، ولا يكلف نفسه بالدعاء لهؤلاء جميعاً أن يُتمَّ الله تعالى عليهم فرحتهم بزوال الطغيان عنهم وتحوّل أمورهم إلى ما يُرضي الله تعالى ويُفرح المؤمنين.
إن مسلماً يبيتُ شبعاناً وجاره جائع؛ مسلمٌ لا يؤدي عبادة الشعور والإحساس هذه..
وإن مسلماً لا يؤدي زكاة ماله ولا صدقة فِطرِهِ؛ فاقدٌ لعبادة الإحساس والشعور..
وإن مسلماً يتجسس على المسلمين ويُرخي أذنه وعينه نحو خصوصياتهم ليؤذيهم؛ لم يتحقق من عبادة الشعور والإحساس..
وإن مسلماً يحب الفساد والمفسدين والظلم والظالمين، ولا يعطي ولاءه للمسلمين الصادقين؛ فاقدٌ لعبادة الشعور والإحساس؛ حتى لو أنه صام وصلى وزعم أنه مسلم.
ولقد فقدت امرأةٌ الشعور فآذت جيرانها بلسانها، رغم أنها كانت من أهل الصلاة والصيام والقيام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (هي من أهل النار) (أخرجه البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح).
وقد فقدت امرأة إحساسها وشعورها وهي تتعامل مع حيوان فأخزاها الله تعالى، قال صلى الله عليه وسلم: (عُذبت امرأة في هرة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض) (أخرجه مسلم).
لقد أهلك الله تعالى الطواغيت لأنهم فقدوا الأحاسيس والمشاعر، فلم يشعروا بآلام اليتامى ولا بصرخات الأيامى، بل وفقدوا شعورهم تجاه أولى القبلتين وثالث المسجدين الكريمين وهو يقبع تحت نير الاحتلال، بينما أنجى الله تعالى الفاروق عمر رضي الله عنه لأنه كان يحسن ويتحقق من ممارسته لعبادة الشعور والإحساس هذه، حتى أنه اشتهر عنه مقولته العظيمة: (لو عثرت بغلة في أرض السواد لخشيتُ أن يسألني الله عنها؛ لمَ لمْ تسوِّ لها الطريق يا عمر)، وهنا يقول الشاعر، مبيناً تلك النقلة النوعية في الشعور والإحساس لدى الفاروق رضي الله عنه:
عمرُ العظيم بغيـر ديـــن محمدٍ
وأدَ البريئة في التراب الحـــامي
لكنـــــه بالديـــــــــن أصبح عــــــــادلاً
ويخـــــــافُ أن تكبو دواب الشـــــــامِ
ويقول: لو أني مهدت طريقها
سهـــــلاً، لما عثرتْ بجُنحِ ظـــــــلامِ
وإن مسلماً لا يتحرك في مصلحة الدعوة والنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فاقدٌ شرف عبادة الشعور لأنه يرى العُصاة مِنْ حوله ينزلقون إلى جهنم، وهو لا يملك من الشعور ما يحميهم ويرحمهم، عندما يتقدم خطوة في تذكيرهم والصبر عليهم.
فالرباط الرباط على عبادة الشعور والإحساس بالمسلمين، لعلّنا بها نُدرك منازل الصالحين المصلحين، والعالمين العاملين، والشهداء المجاهدين، وإن كانت هذه العبادة ستُتعبنا وتؤذينا وتسبب لنا رهَقاً وهمَّاُ وغمَّاً، والله لا يُضيع أجر المحسنين