لم أكن لأحسن العدّ يوماً..وكان والدي يحسنه ويتقنه..حاول أن يغرس فيّ حبّ العدّ فدوماً تبوء محاولاته معي بالفشل
فبقدر ماكان يحبّ الحساب والعدّ بقدر ما كنت أمقته..وكنت أتعجب كيف يطيق حب ّ شيءٍ بغيضٍ كهذا..وكأنه
يؤكد لديّ قناعة بعدم جدوى مثل هذه الأمور التي كان في ذهني إذ ذاك أنها لاجدوى منها..
وأكبر وتكبر أيامي وأعوامي وتمتلأ بما يحتاج للحساب والعدّ فأقف عاجزة وأتذكر تلك الأيام..فيفر مني
كلّ شيءٍ أحاول إحصاءه وعدّه..وتزداد فوضى أدراجي..وأفكاري..
وتتكدس..المواقف..والصور ..في ذهني طابوراً مقيتاً يلح عليّ بأن أمارس هواية العدّ والإحصاء..فيطول
وقوفي..ويطول وقوف طوابير المنتظرين..
ويشرد ذهني من عالم الفوضى المحيط بي لأبحث عن سكون فتحلق نفسي مع آي الكتاب فأقف مستعبرة
عند قوله تعالى :"وإن تعدوا نعمة الله لاتحصوها"
يالله ..العدّ..من وراءى ومن أمامي وهاهو قد أحاط بي أوقارب..
ياللعجز كيف أعد؟؟
أنا لا أحسن العدّ..!!
فلأحاول أن أقلب فكري في تلك النعم..
من أين أبدأ؟؟
في سمائه..أم أرضه..
أم في نفسي..أم في خلقه..
في نعم الدنيا ..أو نعم الآخرة
في حفظه..أم لطفه
أم علمه..أ م حكمته
تاه مني العدّ وتعثرت كثيراً فلم أحسن عدّ الصبية..
وارتعد الفؤاد وجلاً..لبلادة شاكر..وقصور عاجز كسول..
وتفر نفسي..إلى ملاذ..لأخرج من دنياي..
إلى دار أقامت بها ركائب السابقين..
لأسمع حديثهم..ونجواهم..وأرى سروراً قد رسم على محياهم لتشرق وجوههم بالنور ..
فقد فازوا..وأدركوا..
وتلفت بصري لأرى هناك من حبس عنهم..وحجب عن رؤيتهم
.."قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين"
فأخطأوا الجواب..لأنهم لم يكونوا يحسنوا العدّ في دنياهم مثلي..
فاستوى الزمان عندهم..ففرطوا وقصروا ولم يستدركوا
"قالوا لبثنا يوماً أو بعض يومٍ فسئل العادّين"