لسؤال:
ما رأيكم فيمن يحب شيخاً حباً بالغاً فيشاهد محاضراته ويستمع لها بكثرة، ويكثر النظر إلى صوره، ويحاكي طريقة لبسه ويضع صوره على حسابه في الفيس بوك ، في إشارة منه إلى إظهار مدى حبه لهذا الشيخ ، ما رأي الشرع في هذا؟ أليس في ذلك مبالغة؟ لقد سألت أحد المشائخ من قبل فقال لي لا بأس في ذلك..! فما هي الضوابط في حب المشايخ؟ وأين يقع حب المشايخ من حب النبي صلى الله عليه وسلم في قلب المرء؟
الجواب :
الحمد لله
حب المشايخ من أهل السنة والجماعة محمود ، وخاصة إذا أدى ذلك إلى المزيد من الالتزام والتدين ، والانتفاع بما عندهم ويدعون الناس إليه من العلم والدين .
ولكن يشترط لذلك القصد فيه بلا إفراط أو مبالغة لا تحمد عواقبها ، فحب الشيخ إذا ترتب عليه حضور المحاضرات والدروس ، ومصاحبة أهل الخير والتأسي به وبهم في طلب العلم وطاعة الله وعبادته ، فهو حب شرعي ؛ ومن أحب قوما حشر معهم ، ومن تشبه بقوم فهو منهم
وقد روى البخاري (6169) ومسلم (2641) عن عَبْد اللَّهِ بْن مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَقُولُ فِي رَجُلٍ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمْ يَلْحَقْ بِهِمْ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ )
وإذا كانت محبته إياه ليست إلا مجرد الشغف به ، وحب لقائه واستحسان النظر إليه وإلى صورته في التليفزيون أو المجلات ونحو ذلك ، وهي مع ذلك لا تقربه إلى الله فمحبته له مدخولة مذمومة.
وإذا كان حاله في محبته يجمع بين حضور المحاضرات والدروس ، ومصاحبة أهل الخير وحب طلب العلم ، وبين الشغف به وحب النظر إليه وإلى صورته وحب التشبه به في لبسه وهيئته ، فهو محمود على مؤدى المحبة الحميد المتمثل في البر والطاعة ، ومذموم على مؤداها غير الحميد المتمثل في الإفراط في محبته والعناية الزائدة به .
وإذا كان له فضل تعلق به ، من غير وقوع في محذور شرعي ، من غلو أو إفراط ، أو تقليد مذموم ، أو تعلق منحرف أو شاذ بصورته : فمثل هذا لا بأس به إن شاء الله .
وليعلم أن من أوسع أودية الباطل الغلو في الصالحين :
روى النسائي (3057) من حديث ابْن عَبَّاسٍ أن النّبِي صَلّى اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ ) صححه الألباني في "صحيح النسائي" وغيره .
قال شيخ الإسلام رحمه الله :
" قوله ( إياكم والغلو في الدين ) عام في جميع أنواع الغلو في الاعتقادات والأعمال . والغلو هو مجاوزة الحد بأن يزاد في حمد الشيء أو ذمه على ما يستحق ونحو ذلك " انتهى .
"اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" (ص 106)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" قد كَثُر في الوقت الأخير إطلاق الإمام عند النَّاس ؛ حتى إِنه يكون الملقَّب بها من أدنى أهل العلم ، وهذا أمرٌ لو كان لا يتعدَّى اللفظَ لكان هيِّناً ، لكنه يتعدَّى إلى المعنى ؛ لأنَّ الإِنسان إِذا رأى هذا يُوصفُ بالإِمام تكون أقوالُه عنده قدوة ؛ مع أنَّه لا يستحِقُّ " انتهى .
"الشرح الممتع" (1 /17)
وقال علماء اللجنة الدائمة :
" الغلو في محبة الشخص وتعلق القلب به لذاته حتى لا يستطيع فراقه والإعجاب به إلى حد الغرام ليس من المحبة في الله ، بل ذلك خلل في التوحيد " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (1 /472)
والضابط في حب المشايخ حتى يكون في الله : أن يكون متمثلا في الاقتداء بهم في الخير وأعمال البر والمعروف ، ومصاحبتهم وحضور دروسهم العلمية وسؤالهم عند الحاجة إلى ذلك ، والدعاء لهم بظهر الغيب ، والثناء عليهم ونحو ذلك .
فالواجب علينا القصد في محبة المشايخ وعدم الغلو في ذلك ، وأن نتحرى الاعتدال والقصد في كل شيء من أمور ديننا ودنيانا .
وإياك إياك أن تعلق أمر دينك بشيخ من الشيوخ ، مهما ذهب في واد ، كنت وراءه ؛ بل اجعل همك وطلبتك من يوصلك إلى طريق النبي صلى الله عليه وسلم ؛ واجعل تقليدك لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وسنته ، وهدي أصحابه الكرام , وسنتهم ؛ فإن حب المشايخ إنما هو تبع لحب النبي صلى الله عليه وسلم وحب دينه وشرعه ، وعلى قدر تمسك هؤلاء المشايخ بالدين والشرع تكون محبتهم .