الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لا يخفى عليكم أيها الأحبة شرف طلب العلم و من أشرف العلوم العلوم القرآنية ومنها علم التفسير
إختصار تفسير إحدى سور القرآن التي تحوي على الكثير من العبر وهي "سورة يوسف" عليه السلام من كتاب " أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير " للشيخ : أبو بكر الجزائري حفظه الله
ولا تنسوني من دعاؤكم
سورة يوسف
وهـي : مكية وآياتها : 111 آية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الرۚ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً
لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ
بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ
لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)
المناسبة بين سورتي هود و يوسف : أن الثانية تميم للقصص الذي اشتملت عليه الأولى
و سورة يوسف احتوت على أطول قصص في القرآن الكريم
سبب نزول السورة فقد قيل للرسول صلى الله عليه وسلم : لو قصصت علينا .. فأنزل الله تعالى {{ ألر ..... }} إلى قوله {{ وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم }}
آلر : من الحروف المقطعة والله أعلم بمرادها .
و لها فائدتين :
1 - التأثير و إجتذاب أسماع المشركين الذي يمتنعون من سماع القرآن مخافة أن يؤثر بنفوسهم
2- تحدي المشركين الذي قالوا بأن هذا القرآن ليس من كلام الله
تلك آيات الكتاب المبين : المبين للحق المُظهر له
إنا أنزلناه قرآناً عربياً : بلسان العرب ليفهموا و يعقلوا معانيه فيهتدوا
قرآناً : حال من الضمير في أنزلها عربياً : صفه له
لعلكم تعقلون : ليمكنكم فهمه ومعرفة ما جاء فيه
نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن : أصح وأصدق وأنفع القصص بواسطة إيحاء الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم هذا القرآن
والقصص منقول من قص الأثر إذا تتبع آثار الأقدم ليعرف منتهى سير صاحبها ، فالقصص تتبع الأخبار للمعرفة والعظة
وإن كنت من قبله لمن الغافلين : عن القرآن ، فلا تذكره ولا تعرفه
إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ
أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)
قَالَ يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْداً ۖ
إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ
رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ
وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ ۚ
إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)
إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكباً و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين : رأى في المنام أحد عشر كوكباً والشمس والقمر نزلوا من السماء وسجدوا له تحية وتعظيماً . وظهر تأويل هذه الرؤية بعد أربعين سنة
إذ ظرف في محل جر نصب والعامل في أذكر ، أي أذكر حين قال يوسف ... إلخ
" يا أبت " الأصل فيها يا أبي فزيدت التاء عوضاً عن الياء ، وفي لغات أخرى تُفتح التاء وتُضم
ساجدين جمع ساجد وهو للعاقل ، واستخدمت لأن فعل السجود لا يكون إلا من عاقل
قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك : وهم إخوه له من أبيه دون أمه
الرؤيا ما يُرى في المنام من أمور وأحوال ، وهي ثلاث كما قال النبي صلى الله عليه وسلم وهي
1- من أهاويل الشيطان ليحزن ابن آدم 2-ما يُهتم به في اليقظة فيُرى في المنام
3- جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة
فيكيدوا لك كيداً : أي يحملهم الحسد على أن يكيدوك بما يضرك
إن الشيطان للإنسان عدو مبين : إذ أخرج آدم و حواء عليهما السلام من الجنة
وكذلك يجتبيك ربك : يصطفيك له لتكون من عباده المخلصين
ويعلمك من تأويل الأحاديث : يُعلمك معرفة ما يؤول إليه أحاديث الناس ورؤياهم المنامية
قيل لمالك : أيعبر الرؤيا كل أحد ؟ فقال : بالنبوة تلعب ؟ لا يعبر الرؤيا إلا من يحسنها فإن رأي خيراً أخبر به وإن رأى مكروهاً فليقل خيراً أو ليصمت
ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق : وأعظمها النبوة
إن ربك عليم حكيم : بخلقه ، حكيم في تدبيره
لَّقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِّلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ( اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ (9) قَالَ قَآئِلٌ مَّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10) قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَن تَذْهَبُواْ بِهِ وَأَخَافُ أَن يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُواْ لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَّخَاسِرُونَ (14)
لقد كان في يوسف وأخوته آيات للسائلين : أي ما جرى لهم وما تم من أحداث فيه آيات للسائلين عن ذلك
السائلين من يُتوقع منهم السؤال عن المواعظ والعبر ، والأسلوب تستخدمه العرب للتشويق
إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة : أي يوسف وبنيامين أحب إليه رُغم أنهم جماعة
العصبة : الجماعة ، ولا مفرد لها من لفظها
أم يوسف وبنيامين هي راحيل بنت لابام والباقين أخوة أشقاء لبعضهم ومنهم لأب فقط
إن أبانا لفي ضلال مبين : في خطأ بهذا الإيثار بالمحبة
اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً يخل لكم وجه أبيكم : بإزهاق روحه أو طرحه في أرض بعيدة فيهلك دون قتل
وتكونوا من بعده قوماً صالحين : بعد أن يخل لهم وجه أبيهم حيث لم يبق ما يورثهم ذنباً أو يكسبهم إثماً
قال قائل منهم : وهو يهودا أو روبيل وكان أخاه وابن خالته وهو أكبرهم سناً و أرجحهم عقلاً
لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب : وهذا لأن القتل جريمة لا ينبغى ارتكابها ، والجب هو البئر
غيابة جمعها غيابات ، وهي ما غاب عن البصر وسمي البئر بذلك لأنه مقطوع من الأرض
قالوا يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون : أي طلبوا منه أن يرسله معهم إلى البر ، وكأنهم لاحظوا عدم ثقته بهم فقالوا هذه العبارة وادعوا نصحههم أي حبهم له وشفقتهم عليه دون أن يمسه أذى
أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون : يلعب في البادية ويأكل ويشرب مع حفظهم له من كل ما قد يضره
قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون : حزن وخاف أن يأكله الذئب في لعبهم
قالوا لأن أكله الذئب ونحن عصبة إنا إذاً لخاسرون: لا خير في وجودنا ما دمنا نُغلب على أخينا فيأكله الذئب