يروادني الهواء المنعش من كل اتجاه...يغازل مني الروح فتنطلق حنينا نحو مكان وسع بقلبه كل آمال البشر...دفن في جوفه آلامهم...ولفظ على شواطئه....بقايا أحزانهم
ليست المرة الأولى التي أذهب بها إلى ذاك المكان فقد جئته مرارا ... أسقيته مشاعري أودعته كل أسراري..صديقا لي غدا...أبدأه بالشكوى فيستمع بصمت لكل صوت... وعلى التنهيدة يعلو موجه معلنا تضامنه مع أحاسيسي التي تخرج غصبا مع الزفير والشهيق
طفولتي رآها...سار معها رفيق...شبابي عاشه...عاش آماله والأحلام.......
أتذكر أيها البحر...عندما جئتك مبتسمة أخبرك عن ذاك الشاب الذي رمقني بنظرات سحرت روحي، ووهبتك آنذاك كلاما غازلت فيه روحك فحيائي يمنعني من غزل حروف في الهوى له أهديها
وتذكر عندما إليك أتيت أنبئك عن إعراض ذاك الحبيب...فحدثني همسك بأن للشباب نزوات فامسكي قلبك أن يقع....
وحفظته...أياما وشهور.....غسلته بمائك طهورا من حب زائف...
وانتظرت سنين حتى أوشك قطار العشرين على المغادرة فجئتك أخبرك بهول ما به أشعر فاحتضنت مني كل ماض وأهديتني أملا في القادم
جاء الأمل وأشعلت شمعة الحب على همسات رجل صدقني وعده ....حملني على جواد العشق.. وأوصلني إلى عش الزوجية...ليلغي من قاموسي كلمة رافقتني ثلاث سنين أو تزيد
على مائدة الفرح عشنا سنين...نحفر على وجه التاريخ حروف المحبة...نعلّم الأيام كيف تلفظ الشجن وتكتسي بلباس الإخلاص....
دفعته إلى سلم النجاح فحصل على الماجستير ومن ثمّ الدكتوراة...فأضاف إلى قاموسي أفراحا تترى تزدان بأقمار ثلاث في فلك البيت تدور
وكم رقص قلبي فرحا وليته عن النبض توقف يوم عينته الجامعة فيها يدرس طلابا وطالبات
لم أكن أعلم يومها أن سطور الحزن ستبدأ وعيوني التي ذرفت دموعها فرحا ستذرفها ألما.......
أهو خطأ مني..أم جهل منه..أم أنها إرادة القدر أن ترسم الغيرة خطوطا توهمتها بفتيات ينسجن خيوطا أوهن من بين العنكبوت حول رجل هو لي ماض وحاضر ومستقبل
أراود منه الدقائق والثواني...أراقب هاتفه كل حين ..أشعر بأسوار تنشأ بين قلبينا تنمو سريعا سريعا
لأصرخ فيه كفى...........
كلت أذناي من صوت تلك الفتاة التي عنك تسأل صبحا وعند المساء...أشعر بقلبك يتلمس صوتها..فرحا مسرورا.....
إما أنا وإما هي.......
وكأني طرقت جدرانا أوشكت على الانهيار ...فوقعت لتصيبني بجروح غائرة وينطق لسانه بكلمة أبت أن تسمعها أذناي فرددها مرة وخرج وعاد وسط ذهولي ليرددها مرات ومرات
لملمت الماضي وخرجت كئيبة أحمل أقمارا اكتست بالدموع حزنا على شمس أفلت وما عاد النور في قرصها يبين
لعله يراجع نفسه فيعود..إن جبال المحبة التي بنيتها عبر السنين لا يمكن لها أن تنهار فجأة......
لقد أوهمت نفسي بغيرتي فصنعت حاجزا بيني وبين نصفي الآخر
كم تمنيت أن ألقي ألمي بين ذراعيه متمنية الصفح...لقد أخطأت ...أنا من دمرت بغيرتي مستقبلا....
لكني سأعود لأبنيه من جديد فما زال هناك متسع لفتوى قد تعيدني إلى عصمته......
مرّ يوم ويوم .... وما جاء خبر.....ما عدت أستطيع بعدا..علمت بضعفي...فقررت أن أغزل طريقا للعودة عبر الصديقات وأزواجهن وقبل أن أرفع سماعة الهاتف دوى جرس البيت.....فانتفض القلب الحزين نحو الباب يستقبل مجهولا.....ورقة طلاق بائن من المحكمة الشرعية .....
ما عاد للبناء أثر فقد أزيل من أساسه ولا محل لإعادته أبدا....لقد بانت نيته وصدق حدسي...لفظني ولفظ المستقبل...بلا عودة....
علمت بعدها أنه تزوج فتاته التي أبت قبلا قبل أن ينهي علاقته بأم أولاده.....
استقرت نفسي وما عادت تلوم روحي...فلقد كنت على حق وإحساسي كان بمحله...
وجهت للأولاد حبي...أرسم لهم دروب الأمل ..أنسج عباءة التضحية ألفها بهم وقد أخفيت عن عيونهم جروح أحدثتها الأيام في جسدي المحب الذي تلقى طعنة الخيانة دون سابق إنذار
كنت أتلقى أخباره عن بعد أحن لرؤية وجهه لكني أتصبر...كلمات التجريح في فعلته أسمعها من نسوة كن يطببن جرحي لكنهن لا يدرين أنهن يزدن جروحا لا تنزف وجعاااااااا
اشترى لها بيت....سيارة...وهبها من الحب ما عجز عنه الشباب......
استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.............
مرّت الأيام تطوي نفسها طيا.......
أولادي في حضني كبروا قليلا أدخلتهم المدارس أعلمهم فنون الحياة.......وهبت لهم الروح أهديتهم مني كل حب.......أنتظر عودتهم على جمر الشوق أتلظى... أحتضنهم بشوق ....أبثهم روحي تسكن في أرواحهم الصغيرة تحميهم......
وعلى غير انتظار جاء رجل لفّ الشيب أطراف الرأس منه...على حياء أخفيت وجهي بأطراف منديلي وفتحت الباب أسأله ماذا يريد....
فإذ بأوصالي ترتعش وينساب منديلي عن وجهي............
ليس لي إلا أنت.....
لقد قتلت شبابي وألبستني حلة الشيب شابا......
طمست عيوني فما عدت أستبين طريق الرشاد
أنا قد أخطأت في حقك..فاغفري لي الماضي.......وعودي
كلماته حركّت أمواجا علت في صدري وكادت على أعتابه تحط الرحال...
تداركت نفسي فتراجعت.....
وأمسكت جسدي فأغلقت الباب
ها هو قد عاد.......
عاد ينبش دفاتر الماضي يحي حب غدا رميما.....
قطرة ماء قد تعيد له الحياة
عاد يطرق الباب من جديد......يسترحم بأطفال كانوا بيننا...ما لمح طفولتهم كيف تكبر مع الأيام......
وتذكرت أيها البحر ما غاب عني وعنه
طلاق بائن وقع ثلاثا.................
حنّت إلى العودة روحي مع إصراره.....
لكن أنى لي وله ذلك
طرق المجالس وحاول بالفتوى عودة
لكن الجميع قال.............
بإني لا أعود إلا.......بمحلل
أمر لا أرضاه
نفسي تأباه
هو فارق من أحب
وبخطأه..فارقته وأنا أحب
والدرب بيننا مستحيل
فراقنا دائم رغم كل شيء
رغم الحنين وشوقي الدفين.....
سامحني أيها البحر فقد أخذتني منك السنين وتلبستني الأحزان
لكني عدت إليك كما عاد
عدت أبثك وجعي
ألمي وأملي
جئت أرسم حدودا للقاء عزّت في واقعي
جئت أشكو إليك حنينا يراودني كل حين
وصبرا يتغشاني رحمة من رب رحيم
أيا البحر......مالك تصمت
أين موجك العالي؟؟
أين هديرك؟؟
أين قوتك وجبروتك؟؟
لقد تلاشت أدري
أمام عميق أحزاني