الحياة تتطور ، الثوابت متأصلة ..!؟
منذ أن برز في حياتنا الاجتماعية ، وظهر في ثقافتنا الشعبية ، مصطلح " شباب
الصحوة " - لانعرف دلالات " صحوة " وصحوة من ماذا ..؟ - ، وتعرّفنا على
سلوك ، وفكر ، وممارسة "الصحويين" ، ونحن نعيش مأزق الفكر المتخلّف ،
المتشدد ، الإقصائي ، الذي يقرأ النصوص ، ويحلل الأفكار- إذا كان هناك في
الأصل ثقافة متمكنة قادرة على التحليل - بصورة سطحية تسيء كثيراً إلى فكرنا
، ومنتجنا الثقافي ، وإرثنا من تجليات العقل ، وإبداعات التفكير الواعي ،
وتختزل الإبهارات العظيمة التي تنظم حياة الناس ، وتعمّق صلاتهم بعقيدتهم
عبر حالة من صفاءٍ ، وفهم ، وتجعل من المعتقد - أيضا - حالة تماهٍ مع
التسامح ، والاعتزاز ، والفخر بالوسطية التي يحث عليها ، ويعمل على ترسيخها
سلوكاً ، وممارسة في الحياة ، ويأخذ في مجمل توجهاته الحياتية فكر
واجتهادات وتفسيرات العظيم عمر بن الخطاب ، وممارسات عمر بن عبدالعزيز ،
ووعي أبي ذر الغفاري ، والعظماء من تلامذة النبي عليه الصلاة والسلام ، رضي
الله عنهم جميعاً.
عشنا - ولانزال ، وهذا موجع - موجة ارتداد متوحش بمفاهيمه التي تختزل
الجوهر، وتختصره في مظهر الملابس ، ومضامين الحياة ، وأنماط العيش ، من
شباب ما اصطلح عليه "الصحوة" ، والذين يَعتبِرون وشيوخهم والمنظّرين لهم ،
أن الانعتاق ، وبناء المستقبلات ، هو باستدعاء الماضي بأفكاره الحياتية
المعيشية ، ومظهره الاجتماعي ، والرجوع إليه بما فيه من وسائل عيش ،
ومواصلات ، ومظهر عام ، وليس بما نستطيع إنجازه بالخلق ، والإبداع ،
والمعرفة ، والتنوير ، وعمل العقل ، ومختبرات ومعامل الجامعات ، والمراكز
البحثية ، ومنتج جامعة الملك عبدالله بن عبدالعزيز للعلوم والتقنية ، مع
المحافظة على ثوابتنا التي هي نسغٌ في حياة الناس ، فُطِروا عليها ،
ومارسوا الحرص على تعاليمها بوعي من إيمان صادق ، وليس بوصاية أحد ، أو فرض
هيمنة من بعض الذين يقرأون في كتاب الماضي بما فيه من أسلوب حياة ، وتفريغ
سياقات النصوص من ظرفها الزمكاني ، ونشدد على أن هذا الفكر يتجه إلى
المظهر ، أما الثوابت فلا تُقبل المزايدة فيها في هذا الوطن النقي . وهذا
المفهوم يؤكد حقيقة أنه ليس في وسع ، أو مقدور أحد التعامل مع الوطن ،
والإنسان ، وحياة الناس بوصفها مشروعه الخاص ، وترجمة حرفية لأفكاره ،
وتصوراته ، ومفاهيمه الثقافية ، والفكرية..
نتج عن هذا التطرف ، وتلك المفاهيم ، اجتياح التشدد لفضاء المجتمع ، وكان
المنزلق الكبير حين ظهرت موجة التكفير ، والتخوين ، ومخالفة الكتاب ،
والسنة ، وإجماع سلف الأمة ، واستهداف الدولة في رموزها ، وقيادتها
السياسية ، ومؤسساتها المدنية ، والعسكرية الأمنية ، وحمل السلاح واستخدامه
في عمليات إرهابية مخيفة راح ضحيتها أكثر من 239 مابين أطفال ونساء وكبار
سن ، وهي جرائم لايقرها دين ، ولا عقل ، ولا تخدم مشروع الوطن وتنميته
ورفاه مواطنيه كما تسعى القيادة ، وتضحي ، وتفكر عبر طموحاتها التنموية ،
وبرامجها الحضارية.
ومع هذا كله أعطت الدولة فرصاً إنسانية كبيرة لأصحاب التطرف ، والتشدد كي
يعودوا عن هذا السلوك ، والمفاهيم التي ما أنزل الله بها من سلطان، وحاورت
المنظّرين لهما ، وناصحت المخططين ، والمنفذين للعمليات الإرهابية الذين لم
تؤثر فيهم - للأسف - الكلمة الحق ، والعطف والرعاية من الدولة "المقرن ..
مثلاً ونموذجاً"، والآن يقوم القضاء بمحاكمتهم.
والمتتبع ، والمراقب لسير المحاكمات يشهدان عدالة القضاء السعودي ونزاهته؛
حيث ينطلق من التعليمات الصافية النقية للشريعة الإسلامية. وأعطى
للمتّهمِين فرصة الدفاع عن أنفسهم ، وإثبات براءتهم.
دعونا نصحُ من فكر "الصحوة" فالمجتمع كله بأطيافه ، وشرائحه ، ومكوناته
يرفض المزايدة على عقيدته ، وانتماءاته الوطنية ، وولاءاته للجغرافيا ،
والتاريخ ، والقيادة..